وسط طابور طويل في محل للصرافة والتحويلات المالية في عدن، وقف الشاب محمد يحيى، وآثار الإسمنت ومواد البناء بادية على وجهه وشعر رأسه. ويعمل محمد في أعمال البناء 12 ساعة يومياً، ليتمكن من إرسال مصروف الى عائلته المقيمة في محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
“فارق العملتين قصم ظهري”، قالها محمد قبل ان يُطلق تنهيدة عميقة، مشيراً إلى أنّه كي يرسل إلى عائلته مبلغ 100 ألف ريال يمني من الطبعة القديمة المتداولة في مناطق سيطرة الحوثيين (تعادل 188 دولاراً)، عليه ان يدفع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ من الريال اليمني بالعملة الجديدة المتداولة في مناطق الحكومة الشرعية، والمحظور تداولها في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي.
ويتذكر محمد يحيى الأيام التي سبقت حرب 2015 قبل انقلاب ميليشيا الحوثي، وكيف كان الدولار يساوي 215 ريالاً يمنياً فقط، ويقول: “كانت العملة واحدة والحياة أسهل، اليوم هناك طبعتان وكل طبعة لها قيمة مختلفة”، في إشارة الى سعر الدولار الذي يساوي حالياً 530 ريالاً يمنياً بالعملة المتداولة في مناطق سيطرة الحوثيين، و1654 ريالاً يمنياً بالعملة المتداولة في مناطق الحكومة الشرعية.
وعلى بعد أمتار منه، كان المواطن علي الخزان يحمل كيساً يحوي مئات الآلاف من الريالات اليمنية بطبعتها الجديدة المعتمدة في مناطق الشرعية، بغرض صرفها إلى دولارات، لكن الخزان لا ينوي شراء الدولار بغرض السفر إلى الخارج، بل بغرض السفر إلى صنعاء وصرفها هناك مقابل العملة اليمنية القديمة، لأنّ مئات الآلاف من الريالات اليمنية التي يحملها معه محظور تداولها في مناطق الحوثيين، ولا سبيل للحصول على العملة المتداولة في مناطق الميليشيا سوى بصرفها مقابل العملات الأجنبية.
بداية المشكلة
يرى الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي، في حديث لـ”النهار العربي”، أنّ مشكلة تفاوت أسعار الصرف بين صنعاء وعدن، ووجود طبعتين قديمة وحديثة للعملة اليمنية، بدأت نهاية عام 2019 عندما قرّر الحوثيون منع تداول الطبعة الحديثة التي اعتمدتها الحكومة الشرعية في مناطق سيطرتهم.
ويشير الفودعي إلى أنّ الحوثيين فرضوا عقوبات على كل من يثبت تعامله بالطبعة الحديثة في مناطق سيطرة الجماعة، وبذلك انتقلت الطبعات الحديثة التي طبعتها الحكومة الشرعية بكل فئاتها وكل كمياتها من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق سيطرة الشرعية، وهذا الأمر أحدث عدم توازن في العرض النقدي من العملة المحلية.
أوراق مكدّسة وأخرى ممزقة
ويضيف الفودعي: “أصبحت هناك أوراق نقدية مكدّسة بشكل كبير في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بعدما تمّ تحويل مسارها من مناطق الحوثيين إلى مناطق الشرعية مقابل طبعة قديمة في مناطق الحوثيين شحيحة جداً وغير متوفرة وممزقة”.
وتعتمد الميليشيا الحوثية الطبعة القديمة من الريال اليمني التي أصبحت صعبة التداول ويصعب التعامل مع بعض أوراقها مصرفياً بسبب تلفها وتمزقها. وضخ الحوثيون إلى السوق اليمنية كافة الأوراق النقدية الممزقة والمتحفّظ عليها في البنك المركزي في صنعاء، والتي سبق أن صدرت محاضر رسمية بإتلافها، في محاولة لمواجهة أزمة السيولة التي نتجت من قرارهم بمنع التعامل مع الطبعة النقدية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة الشرعية.
ويوم 30 آذار (مارس) الماضي، أعلن الحوثيون عن عملة معدنية مصكوكة فئة “100 ريال” بسبب تلف العملات الورقية من ذات الفئة، إلاّ أنّ البنك المركزي في عدن أعلن منع التعامل بها في مناطق سيطرة الشرعية واعتبرها عملة مزورة.
تفاوت سعر الصرف
ويوضح الفودعي، أنّه “عندما يكون هناك معروض من العملة بشكل أقل تكون قيمتها أكثر مما هو عليه الحال في حال أنّ المعروض من العملة أكثر، وبطبيعة الحال فإنّ العرض النقدي من طبعة العملة المحلية في مناطق سيطرة الشرعية أكبر بكثير من العرض النقدي من طبعة العملة المحلية في مناطق سيطرة الحوثيين، وهذا أدّى إلى اختلال التوازن وإحداث تفاوت في اسعار الصرف بين صنعاء وعدن، بحيث يكون سعر الريال في مناطق الحوثيين أقوى من سعر صرف الريال في مناطق الحكومة الشرعية”.
وظهر الفارق في سعر صرف الريال اليمني بين عدن وصنعاء بنسب متفاوتة بدأت بـ10%، ثم تزايدت رويداً حتى بلغت حالياً نحو 300%، ليتطلّب تحويل 1000 ريال من عدن إلى صنعاء دفع نحو 3 آلاف ريال في شركات التحويل.
أخطاء ساعدت الحوثيين
ويشير الفودعي إلى أنّ الحكومة الشرعية ممثلة بالبنك المركزي اليمني في عدن، هي من سهّل للحوثيين اتخاذهم قرار مقاطعة الطبعة الجديدة من العملة، لأنّها تأخّرت في سحب الطبعة القديمة من الأسواق.
ويقول شارحاً: “فرضت الحكومة الشرعية عقوبات على البنوك وشركات الصرافة التي لديها في خزائنها طبعات قديمة، ولهذا لم يتخذ الحوثي القرار بمنع تداول الطبعة الحديثة من العملة الاّ بعدما تأكّد انّ الطبعة القديمة قد انتقلت كلها الى صنعاء، لأنّ هناك من يفرض على البنوك في عدن أن تتخلّص من الطبعة القديمة، ولم يكن أمام البنوك طريقة للتخلص منها إلاّ تحويلها إلى مناطق سيطرة الحوثيين”.
المواطنون يدفعون الثمن
من جانبه، تحدث لـ “النهار العربي” رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر قائلاً: “هذه واحدة من المشكلات الكبيرة وتداعياتها كبيرة جداً اقتصادياً وإنسانياً على المواطنين، حيث ترتفع عمولة تحويل الريال اليمني من مناطق سيطرة الشرعية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، كما أنّها تجعل المواطنين في مناطق سيطرة الحوثي يخسرون جزءاً كبيراً من قيمة المبلغ المحوّل اليهم”.
ويرى مصطفى نصر انّ هذا الانقسام خطير ويدفع ثمنه المواطن اليمني يومياً، وإذا كانت هناك خطوات نحو عملية السلام أو أي ترتيبات سياسية أو عسكرية، فلا بدّ أولاً من توحيد العملة اليمنية وإنهاء الانقسام الحاصل.