يعيش قطاع النفط في ليبيا على صفيح ساخن، وسط اتهامات بسيطرة تصفية الحسابات بين إدارته العليا، ما يثير الشكوك في استقرار الإنتاج، ويقوض ثقة الشركات الدولية الكبرى بضخ استثمارات جديدة. ضحية صراع؟وبعد أسابيع من سجال علني بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة ووزير النفط في الحكومة المسيطرة على العاصمة طرابلس ومؤسساتها محمد عون، على خلفية خلافات بشأن ترسية عقود استكشافات جديدة، جاء قرار هيئة الرقابة الإدارية بوقف الأخير عن العمل قيد التحقيق في “الإضرار بالمصلحة العامة” و”شبهات فساد” لم يُفصح عن تفاصيلها، فيما سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى إصدار قرار بتكليف وكيل وزارة النفط والغاز خليفة رجب عبد الصادق بتسيير عمل الوزارة، بعد ساعات قليلة من إيقاف عون، ليسدل الستار على أحد أبرز الصراعات العلنية خلال الشهور الأخيرة في قلب سلطة غرب ليبيا.
لكن الخطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الليبية وتبايناً في المواقف بين مؤيد لـ”مكافحة الفساد في المؤسسات الليبية”، ومدافع عن عون “ضحية الصراع على المال والمناكفات السياسية”. وفي أول تصريح عقب القرار، خرج عون ليدافع عن نفسه، مؤكداً أنه سعى دائماً إلى الحفاظ على المورد الأساسي لليبيين بمختلف الطرق، وأن “التحقيقات ستنصفني، لأنني لم أرتكب أيّ مخالفة”. كما شدد على أنه “لا أحد فوق القانون، وعلينا الامتثال للقوانين التي أقسمنا على احترامها أمام مجلس النواب والشعب الليبي”. وأضاف: “أمتلك ما يثبت أنني على قدر كبير من النزاهة والمسؤولية، وأنني بريء بالكامل مما نُسب أو سيُنسب إلي”، مطالباً بالمسارعة في “أخذ أقوالي بالطرق القانونية التي نص عليها في التشريعات النافذة، لإظهار الحق جلياً للشعب الليبي”. مطالبة بإلغاء القراروفيما أصاب قرار إطاحة عون من منصبه قطاع النفط بالارتباك، دعت النقابة العامة للنفط إلى إلغائه، معتبرة في بيان أن القرار الصادر عن رئيس هيئة الرقابة الإدارية “ظالم ويضر بمصالح الدولة الليبية”. وقالت النقابة: “ندين هذا القرار الذي استهدف أحد الرموز الوطنية والمهنية والمدافعين عن قطاع النفط في ليبيا، فهذا القرار يعتبر انتهاكاً صارخاً لمبدأ الشفافية والنزاهة، ويأتي في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد”. ودعت إلى إجراء تحقيق شفاف ومستقل في هذه القضية، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الفساد والتلاعب بمقدرات الدولة. ووصلت الاعتراضات على القرار إلى المجلس الأعلى للدولة الذي يسيطر على مفاصله الدبيبة، وطالب 53 عضواً في المجلس هيئة الرقابة الإدارية بـ”سحب القرار، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لإرجاع الوضع كما كان عليه قبله”. وإذ وصف الأعضاء المعترضون الإجراء بـ”المشبوه”، معبرين عن استغرابهم “سرعة تكليف من يُسير أعمال الوزارة بديلاً منه بشكل معد ومرتب مسبقاً من قِبل رئيس الحكومة”. وعزا عضو المجلس سعد بن شرادة قرار إيقاف الوزير عون الذي وصفه بـ”الغريب”، إلى “نضاله خلال الشهور الماضية ضد إبرام عقود استكشافات نفطية تسعى المؤسسة الوطنية للنفط وحكومة الوحدة الوطنية إلى تمريرها بطريقة مشبوهة وغير قانونية”. تحذيرات من التداعياتوشدد بن شرادة لـ”النهار العربي” على أن الاتفاق السياسي الذي جاء بحكومة الوحدة الوطنية “يُلزمها بعدم إبرام اتفاقات تُرتب على الدولة التزامات طويلة خلال المرحلة الانتقالية”، مستغرباً دخول هيئة الرقابة الإدارية التي تُعد جهة رقابية محايدة، على خط هذا الصراع، و”إطاحة شخص كان يقف ضد محاولات نهب ثروة الليبيين”، ومحذراً من انهيار قطاع النفط الليبي بسبب مثل تلك القرارات التي يشوبها الغموض. واتهم التجمع الوطني للأحزاب الليبية حكومة الوحدة الوطنية بإطاحتها وزير النفط “من أجل تنفيذ اتفاقيات مرفوضة”، مشيراً إلى قرار أصدره مجلس النواب عام 2023 “يمنع المساس بالثروات السيادية، ويعتبر أي اتفاق بشأن الاتفاقية باطلاً، وكذلك ما صدر عن ديوان المحاسبة ومكتب النائب العام من مخاطبات بإيقاف المفاوضات لكن حكومة الدبيبة تتجاهلها”. “خط أحمر”وقال التجمع في بيان إنه “يتابع بقلق بالغ التداعيات المتلاحقة المتعلقة بملف الطاقة في ليبيا، والفساد الذي يشوب كثيراً منها، والذي تعتبر حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط طرفين رئيسيين فيه”، مشدداً على أن “الثروات والموارد الطبيعية للدولة الليبية خط أحمر، ولا ينبغي المساس أو العبث بها، لتحقيق مصالح ضيقة تضيع بها المصالح الوطنية وحقوق الأجيال القادمة”، مطالباً هيئة الرقابة الإدارية بالتزام الشفافية في إجراء الإيقاف الذي اتخذته بحق وزير النفط، والذي جعلته الحكومة ذريعة لإزاحته. كما طالب ديوان المحاسبة ومكتب النائب العام باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بصون ثروات وموارد البلاد من الإهدار والتضييع، وكشف كل الفساد المتعلق بملف الطاقة. أما الناطق باسم “مبادرة القوى الوطنية” محمد شوبار فذهب إلى التأكيد أن إنهاء حالة الفوضى غير المسبوقة التي يعيشها قطاع النفط مرهون بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، قادرة على ضرب الفساد، ومحاسبة الجميع. وإذ حذر من ضرر كبير يهدد ثروة ليبيا النفطية في ظل تفشي الفساد، شدد شوبار لـ”النهار العربي” على أنه لا بديل من انتخاب سلطة تنفيذية بديلة للقائمة حالياً، محملاً جميع المتصدرين للمشهد مسؤولية الوضع الراهن، الذي وصفه بـ”أسوأ الفترات فساداً”.