تصنيف عالمي متقدّم لسيدي بوسعيد التونسية… سحرٌ أخّاذ طبيعةً وعمراناً

6

جانب من سيدي بوسعيد

بلدة سيدي بوسعيد التونسية هي ثالت أجمل بلدة في العالم بحسب مجلة “تايم آوت” time out وموقعها المتخصص في الإحصائيات الدولية، وكانت الوحيدة عربياً وأفريقياً التي أدرجت في هذا التصنيف المهم. وجاءت في المرتبة الأولى بلدة روتنبورغ الألمانية، فيما احتلت بلدة واي ريبو الإندونيسية الواقعة في جزيرة فلوريس المركز الثاني، وحلت بلدة كارمل الأميركية في ولاية أنديانا رابعة وتلتها بلدة ألبيروبيلو الإيطالية في المركز الخامس. وتقع سيدي بوسعيد على الساحل الشمالي الشرقي لتونس على بعد حوالي 20 كيلومتراً شمال العاصمة تونس، وتشتهر بجمالها الطبيعي ومعمارها الرائع الذي يتميز باللونين الأبيض والأزرق وبالطراز التونسي التقليدي العتيق. وتعد البلدة واحدة من الوجهات السياحية التي تجذب الزائرين من مختلف أنحاء العالم بعدما حازت شهرة واسعة خلال العقود الماضية، حتى بات زوارها لا يقتصرون فقط على الأقرب جغرافياً من العرب والأوروبيين، بل جذبت أيضاً سياحاً من الأميركيتين وشرق آسيا وأوقيانيا. 

إطلالة ساحرةوكانت بلدة سيدي بوسعيد تسمى في الماضي كاب قرطاج أو رأس قرطاج، وهي جزء من مدينة قرطاج التاريخية، لكن بعدما اتخذ الولي الصالح وقطب التصوف سيدي أبي سعيد الباجي من مرتفعات البلدة مكاناً للإقامة والتعبد، تحول اسم البلدة إلى سيدي بوسعيد. ولا يزال مقامه ومسجده قائمين إلى اليوم وتحولا إلى مقصد للمصلين والمتصوفة إضافة إلى السياح الأجانب الذين قرأوا الكثير عن الباجي وعلمه الواسع، حتى أن الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي ولد في مقام هذا الناسك وحمل اسمه.   وتمتاز سيدي بوسعيد بإطلالتها على مشهد جميل لخليج تونس الذي هو جزء من البحر الأبيض المتوسط الذي سُمي في عصر ما “بحر قرطاج”، حين كانت جمهورية قرطاج في عنفوانها وفي عصور مجدها. كما تتميز بإطلالتها على مناظر طبيعية خلابة تحيط بها، تتكون بالأساس من الجبل والغابة، وبذلك فقد التقى فيها اللونان الأبيض والأزرق للبحر والغيوم والمباني، باللون الأخضر، لون الجبل المكسو بالأشجار، فكانت لوحة فنية استثنائية.  وتضم البلدة مجموعة من الأسواق التقليدية والمحال التجارية والفنادق والمطاعم الفاخرة والمقاهي، أشهرها “القهوة العالية” و”قهوة سيدي الشبعان”، وهي أماكن تعكس الثقافة والتراث التونسيين في فن المعمار وفي الصناعات التقليدية. ولعل التاريخ الغني الذي تتمتع به سيدي بوسعيد هو الذي جعلها واحدة من الوجهات السياحية العالمية التي تستحق الزيارة لمن يبحث عن الهدوء والجمال الطبيعي والتراث الثقافي بعيداً عن صخب المدن الكبرى وهوائها الملوث.  

 وقد زار ملك البوب الراحل مايكل جاكسون سيدي بوسعيد بمناسبة إحيائه حفلة تاريخية في تونس عام 1997، وانبهر بها ولم يصدق أنه يمكن أن يكون مكان في العالم بمثل هذا الجمال، وعبر عن رغبته في شراء منزل فيها. وقد عرف عن ملك البوب أنه لا يذهب إلى الأماكن التي فيها نسبة تلوث مرتفعة نظراً إلى ظروفه الصحية، وقد وجد أن الهواء النقي في سيدي بوسعيد من بين الأفضل على مستوى العالم بالنسبة إلى بلدة ملاصقة للمدن الكبرى. موطن الفن والفكرتعتقد الإعلامية التونسية المتخصصة في الشأن الثقافي سامية حرار، في حديث إلى “النهار العربي”، أن ما جعل سيدي بوسعيد تحتل تلك المرتبة المتقدمة عالمياً ليس فقط جمال الطبيعة والمعمار بل كونها أيضاً موطناً للموسيقيين والمغنين والمثقفين والرسامين والأدباء وغيرهم من المشاهير، فعلى سبيل المثال أقام فيها البارون البريطاني ديرلنجي، وهو رسام وموسيقي وجامع للتراث الفني التونسي، كما شيد فيها قصراً على الطراز المعماري التونسي التقليدي، وأصبح اليوم مركزاً الموسيقى العربية والمتوسطية “النجمة الزهراء” ويتبع وزارة الثقافة. ومن بين أبرز الفنانين الذين خلدوا سيدي بوسعيد، بحسب الإعلامية التونسية، بول كلي وأوغيست ماد وبوشرل أولي مونييه وألبرت ماركت وغيرهم ممن عشقوا هذه البلدة الساحرة ودأبوا على زيارتها أو الإقامة فيها.  

 وتضيف حرار: “من أبرز الكتّاب والشعراء والمؤرخين الذين خلدوا ذكر سيدي بوسعيد جورج دوهامل، وأندريه جيد، وشارل لالمان، ومونييه، وجاك رفولت وماكس بول فوشت وغيرهم. وزار سيدي بوسعيد قادة وزعماء ورؤساء وملوك من مختلف دول العالم سمعوا عنها وعن صيتها الذائع وأصروا في زيارتهم لتونس على رؤيتها للاستمتاع بجمالها وسحرها ونقاوة هوائها”.  وتلفت إلى أن “سانتوريني اليونانية أرادت قبل عقود تقليد سيدي بوسعيد من خلال طلاء مبانيها باللون الأبيض وأبوابها وشبابيكها باللون الأزرق، واستأذت السلطات اليونانية نظيرتها التونسية في ذلك وتم الإذن لها. لكن في المقابل يقوم البعض في المنطقة بتقليد سيدي بوسعيد من دون إذن وذلك للسطو على سياحها ومرتاديها وعشاقها، لكن التقليد جاء مشوهاً ولم يرتق إلى مستوى سحر سيدي بوسعيد وإشعاعها العالمي”. 

جذب سياحييؤكد الخبير في القطاع السياحي المنصف الخميري لـ”النهار العربي” أن صور أزقة سيدي بوسعيد وبيوتها أصبحت توشح أحلى اللوحات لكبار الرسامين التونسيين والعالميين، وبات معها مشهد “القهوة العالية” من الداخل والخارج مألوفاً لدى الكثيرين في العالم، وكذلك جبل بوقرنين وخليج تونس المواجهان للبلدة الساحرة. كما أصبح قفص عصافير سيدي بوسعيد المستوحى من شبابيك البلدة ومن النقوش القرطاجية القديمة، بحسب الخميري، علامة مسجلة خاصة بسيدي بوسعيد. 

 ويضيف الخبير التونسي: “لذلك ليس من باب الصدفة أن يفد إلى بلدة سيدي بوسعيد في فصل الصيف وأيام الراحة والعطل يومياً قرابة 100 ألف زائر للتجول بين أزقتها والارتواء بماء عيونها العذبة ولاحتساء قهوة على أنغام موسيقى المالوف الأندلسي وللاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة وبالمعمار التونسي التقليدي العريق. كما يزورها البعض لتناول أكلات تونسية على غرار الكسكسي بالسمك والكسكسي بأخطبوط البحر وغيرها من الأكلات التونسية التي تقدم مطاعم سيدي بوسعيد ألذها، مثلما تقدم بعض المحال القريبة منها فطير البمبلوني اللذيذ وأيضاً الحلوى التقليدية المميزة للبلدة”. 

 ويقول الخميري إن “اختيار سيدي بوسعيد ثالث أجمل بلدة في العالم من قبل موقع هام مثل “تايم آوت” يتمتع بالمصداقية ومن دون دفع أموال مثلما يفعل البعض أمراً طبيعياً بالنظر إلى خصائص هذه القرية الجميلة. وسيساهم هذا التصنيف الذي أتى في موسم الحجوزات السياحية في دعم قدرة تونس على الجذب السياحي وهي التي تطمح هذا العام إلى استقطاب عشرة ملايين سائح”. 

التعليقات معطلة.