“ربّ ضارّة نافعة”، هكذا هي الحال بالنسبة لخياطات تونس اللواتي استفدن من أزمة غلاء الملابس في بلدهن ليتحوّلن إلى ملاذ لكثير من العائلات ذات الدخل المتوسط في الأحياء الشعبية.
وبسبب ارتفاع أسعار ملابس العيد في السنوات الأخيرة، صارت عائلات تونسية كثيرة، ولا سيما من المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، تُفضّل التوجه إلى “خيّاطة الحيّ” لتحضير “كسوة” العيد لأطفالها. وتقول رحاب، وهي صاحبة محل خياطة صغير بـ”حي 20 مارس” بمنطقة “سيدي حسين”، أحد أكبر الأحياء الشعبية في تونس، إنها تسابق الزمن منذ بداية شهر رمضان لتحضير طلبات الزبائن ممن اختاروا خياطة ملابس العيد لأطفالهم.
جودة أفضل وتكلفة أقلوتؤكد في حديثها لـ”النهار العربي” أن ثمة إقبالاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة على خياطة ملابس العيد بدل شرائها جاهزة، وخصوصاً بالنسبة للفتيات الصغيرات. وتوضح الخيّاطة التونسية أن الكثير من الأمهات صرن يقصدنها لاختيار موديل ملابس العيد لبناتهن، مؤكدة أن ذلك يضمن لهن جودة أفضل وتكلفة أقل. ووفق المتحدثة أحيا غلاء أسعار الملابس الجاهزة مهنة الخياطة عامةً، وتقول: “سابقاً كان الجميع يخيطون ملابسهم في المناسبات لدى خيّاطة الحي. كان ذلك أحد طقوسنا في عيد الفطر وفي كل المناسبات السعيدة مثل العودة للمدارس وحفلات الزواج، لكن مع مرور السنوات تقلّصت هذه الظاهرة وتراجع الإقبال على الخياطات اللواتي صرن يكتفين بالقيام بمهام صغيرة كرتق ثياب ممزقة أو تعديل مقاس قطعة لباس أو تقصيرها”.
وتضيف: “إضافة إلى طلبات خياطة الملابس، ثمة أيضاً من يأتي بملابس قديمة لكنها بحالة جيدة لإدخال تغييرات على تصميمها أو مقاسها، فتصير وكأنها جديدة”. وداخل ورشتها الصغيرة التي تدب فيها الحركة منذ الصباح الباكر وحتى قبيل موعد الإفطار ثم بعده حتى ساعة متأخرة ليلاً، تتكدس مختلف أنواع الأقمشة التي اختارها أصحابها لتتحوّل إلى قطع ملابس سيتزين بها أطفالهم يوم العيد.
وتقدر المتحدثة تكلفة خياطة ملابس العيد لطفلة لا يتجاوز عمرها 11 سنة بـ 25 دولاراً شاملة ثمن القماش، وهو ما تعتبره “تكلفة منخفضة ومعقولة مقارنةً بما تعرضه المحال”، وتزيد: “ثمة أيضاً من يبحث عن جودة جيدة وتصميم مختلف، فالسلع التي تعرض في المحال متشابهة التصميم، وعلى رغم غلاء ثمنها فإنها ليست من النوعية الجيدة”. منافسة البضائع المستوردةوتراجع حضور ورشات الخياطة الصغيرة في تونس خلال العقود الأخيرة بعدما صارت عاجزةً عن منافسة العدد الكبير من المحال التي فتحت أبوابها لبيع الملابس الجاهزة، سواء تلك المصنوعة محلياً أو المستوردة من الصين وتركيا وأوروبا بدرجة أقل.
وتركت كثيرات ماكينات الخياطة الخاصة بهنّ سواء في بيوتهن أو في ورشاتهن الصغيرة، بسبب نقص الإقبال، ليتوجّهن للعمل بمصانع الخياطة التي عرفت بدورها نموّاً ملحوظاً في فترة الثمانينات والتسعينات، مع تنفيذ برنامج كبير لتطوير وتحفيز قطاع النسيج حتى يكون واحداً من ركائز اقتصاد البلد.
أسعار باهظةويشتكي التونسيون من غلاء ملابس العيد الجاهزة التي يصف أغلبهم أسعارها بـ”الخيالية”، خصوصاً ذات الجودة العالية.
وشراء ملابس جديدة للأطفال في العيد عادة يحاول التونسيون التمسك بها لإسعاد أطفالهم، لكنها صارت في السنوات الأخيرة حملاً ثقيلاً على كاهل الأولياء، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة المصاريف في شهر رمضان الذي ينهك بدوره موازنات الأسر.
وقُدرت الزيادة في أسعار ملابس العيد هذا العام بنحو 15 بالمئة، وفق رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي الذي يقول لـ”النهار العربي” إن تكلفة ملابس العيد لطفل سنّه دون 6 سنوات تصل إلى نحو 70 دولاراً، فيما ترتفع إلى نحو 300 دولار بالنسبة لطفل تجاوز عمره 6 سنوات، وهو ما يقول إنه تكلفة مرتفعة جداً خصوصاً بالنسبة للأسر التي لديها أكثر من طفل.
وأوضح المتحدث أن العائلة التونسية لم تعد قادرة على شراء ملابس العيد لطفلها بسبب تدني مقدرتها الشرائية أوّلاً، وثانياً بسبب هيمنة التجّار الذين يستوردون منتجات متدنّية الجودة ويبيعونها بأسعار مرتفعة جداً مقارنة بتلك التي تعرض في بلد المنشأ.
لكن السلطات تنفي ذلك وتقول إنها أسعار “معقولة في المجمل”. وفي تصريح لوكالة الأنباء الرسمية قال مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار بوزارة التجارة وتنمية الصادرات رمزي الطرابلسي، إنّ تكلفة ملابس عيد الفطر لسنة 2024 مقبولة إجمالاً وإنّ العروضات متنوعة.