غالب الليبيون أوضاعهم السياسية والاقتصادية الصعبة واحتفلوا بعيد الفطر، لكن الأنظار توجهت نحو مدينة درنة (شرق ليبيا) بعد نحو سبعة أشهر من الفيضانات التي ضربتها في أعقاب إعصار “دانيال”، وسط محاولات خجولة للتخفيف من آثاره المدمرة.
وحرص رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على أداء صلاة العيد في درنة المنكوبة محاطاً برئيس حكومة الشرق الموازية أسامة حماد ومدير صندوق إعادة الإعمار بلقاسم حفتر، نجل قائد “الجيش الوطني” خليفة حفتر، في خطوة قد تُثير غضب المناوئين لقادة الشرق الليبي في العاصمة طرابلس.
معاناة النازحين
كان رضوان حسان يغالب أحزانه وإحباطه وذكرياته ويسعى للانخراط مع عائلة شقيقه التي استضافته وزوجته ونجليه في مدينة بنغازي بعد نزوحه من درنة. يقول لـ”النهار العربي”: “رغم مشاعر الود والمحبة التي نحاط بها لكننا نشعر بالغربة في أول عيد نقضيه بعيداً من منزلنا، الصغار طوال الوقت يسألون متى نعود إلى الحي الذي نشأنا فيه؟ لكني لا أجد اجابة بعدما بات غير مؤهل للسكن وتحول مأوى للحشرات والعقارب”. يضيف أنه حاول إضفاء الفرحة على طفليه بشراء ملابس جديدة وحلوى العيد والخروج إلى ساحات التنزه، “لكن تظل الذكريات المؤلمة عالقة في الأذهان”.
في أعقاب الفيضانات التي ضربت درنة في أيلول (سبتمبر) الماضي، خرج حسان وعائلته من منزله تاركاً كل محتوياته. ظل لأيام في مدرسة خُصصت لإيواء المتضررين قبل أن يتمكن من الانتقال إلى بنغازي بمساعدة فرق الإنقاذ، حيث استضافه شقيقه وعائلته. يسيطر عليه الشعور بالخجل من الأعباء التي أضافها على شقيقه وسط أزمة اقتصادية تضرب البلاد. يحصل حسان على إعانات شهرية من الحكومة ومنظمات غير رسمية لكن أغراضه لا تزال عالقة في منزله المنكوب، كما أنه بات بلا عمل ويظل طوال النهار حبيس غرفته حتى يعود شقيقه من عمله. يستعجل السلطات لتنفيذ وعدها بتوفير منزل بديل، فلا يمكن أن يظل ضيفاً على شقيقه. يطالب السلطات أيضاً بتأمين دخوله إلى منزله لجمع أغراضه بعدما أغلقت السلطات المنطقة لأسباب صحية وأمنية. وعود متجددة لأهالي درنة
وكان نجل المشير حفتر أطلع المنفي وحماد، عقب صلاة عيد الفطر، وبحضور أعيان درنة، على “آخر التطورات ومراحل الإعمار وما توصلت إليه الشركات المنفذة للمشاريع من إنشاءات وصيانة في مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة بعد الفيضانات”، في حين وعد رئيس المجلس الرئاسي بـ”تقديم كافة التسهيلات وتسخير كافة إمكاناتنا لتعود درنة زاهرة كسابق عهدها”، في حين تعهد رئيس حكومة الشرق الموازية بـ”الانتهاء من أغلب مشاريع درنة آخر العام الجاري”، مؤكداً أن حكومته “تقوم بدورها على أكمل وجه وبكافة الإمكانات المتاحة لها ولا تزال تعمل في سبيل توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن”، وفقاً لبيان رسمي.
ويأمل سكان أحياء البوابة الشرقية لدرنة، والتي نجت من الآثار المدمرة لـ”دانيال”، في تنفيذ الوعود الرسمية على الأرض. ويقول إسماعيل العوكلي: “رغم أن الحياة تعود رويداً رويداً إلى المدينة إلا أنها لم تعد كما كانت، فلا يمكنك التجول في الشوارع بحرية، في ظل القيود المفروضة على الحركة وإغلاق أحياء بأكملها، وحتى الخدمات لم تعد بكامل طاقتها إلى الأحياء الأقل تضرراً، ناهيك عن استمرار إغلاق عدد من المؤسسات والمصارف التي طالتها مياه الفيضانات”، مضيفاً لـ”النهار العربي”: “غابت الفرحة في أول عيد بعد الكارثة، إلا من مظاهر محدودة مثل أداء الصلاة في بعض الساحات التي تم تمهيدها، فالحزن لا يزال يُسيطر على غالبية السكان الذين فقدو أقارب أو جيراناً وحتى أصدقاء وزملاء في العمل، كما أن الوضع الذي تعيشه درنة لا يسمح بمظاهر احتفالية ولا يُتيح للصبية والشباب التنزه… نشعر بالغربة داخل مدينتنا ونتمنى أن تعود كما كانت”.
جهود الهلال الأحمر
وكان الهلال الأحمر الليبي قد أطلق عشية العيد حملة لتوزيع الملابس على الأسر المتضررة، ولفت الناشط محمود أبو دوارة في حديث لـ”النهار العربي” إلى أن الحملة “لم تقتصر على الأطفال، وإنما تم توزيع الملابس على الرجال والنساء أيضاً”، موضحاً أن “عشرات المتطوعين بدأوا في توزيع الملابس في آخر يومين من شهر رمضان، واستمر العمل حتى اليوم الأول للعيد”. وأكد أن “عمل الهلال الأحمر مستمر في المناطق المتضررة منذ الفيضانات ويشمل الدعم المادي واللوجيستي للأسر المتضررة، بالإضافة إلى الدعم النفسي. فخلال شهر رمضان أقام الهلال الأحمر عدداً من الأنشطة ركزت على دعم الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم”.
وبينما عمت أجواء البهجة مختلف المدن الليبية مع حلول عيد الفطر، توافد آلاف الليبيين إلى ساحات المساجد لأداء صلاة العيد، وسط دعوات رسمية للوحدة والمصالحة.
ووجه الموفد الأممي لدى ليبيا عبدالله باثيلي التهنئة إلى الليبيين لمناسبة عيد الفطر، داعياً إلى أن يكون العيد مناسبة لتعزيز قيم الإخاء والتسامح والسلام. وقال: “إذ أستحضر مظاهر التكاتف والتضامن التي أبداها الليبيون خلال شهر رمضان الفضيل، أرجو أن يشكل عيد الفطر لهذا العام نقطة انطلاق نحو تجاوز الانقسام السياسي ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة”.