بين فترة واخرى تعلن وزارة الداخلية عن تدخل قواتها لفض نزاع عشائري في واحدة من محافظات الوسط والجنوب، على الرغم من تصنيف هذه المحافظات بالمناطق الآمنه، نسبةً الى المحافظات الساخنة التي نشط فيها الارهاب الداعشي طوال سنوات معارك التحرير النوعية الضارية، لغاية تحرير كامل الاراضي العراقي، واحتفال الشعب العراقي بالانتصار على الارهاب .
هذا (النشاط) النشاز في دولة يفترض أن نظامها السياسي ديمقراطي وفقاً للدستور، ويصدّع قادتها يومياً رؤوس مواطنيها بخطبهم الرنانة حول سيادة القانون وتجريم منتهكيه، تحول الى مواجهات مسلحة بين مجاميع (عشائرية) مدججة باحدث الاسلحة، كأنها تخوض حروباً بين بلدان متصارعة، يسقط فيها الابرياء وتدمر الممتلكات الخاصة والعامة، دون خوف أو وجل من حساب ولاعقاب لمشعليها طوال السنوات الماضية.
اذا كان النزاع بين البشر أمر طبيعي في كل البلدان، وقد وضعت القوانيين واللوائح لتحجيمه ومعالجة اسبابه، من أجل تحقيق الأمن والأمان لعموم الشعب، فأن السؤال المهم في موضوع النزاعات العشائرية في العراق هو، على ماذا يتصارع أبناء العشائرفي محافظات الوسط والجنوب وصولاً لاستخدام السلاح بكل انواعه ؟؟!!، ولماذا لايحتكمون الى القضاء في حل نزاعاتهم وفقاً للقانون .. ؟؟!! .
لم نسمع عن نزاعات عشائرية دموية ومتواصلة وضاربة للقانون على مدى تأريخ العراق الحديث لغاية سقوط الدكتاتورية، لكنها برزت في العهد الجديد كنتيجة طبيعية لانتشار السلاح خارج المؤسسات الامنية للدولة، واعتماد قادة احزاب السلطة على منهج شراء الذمم والاصوات في الانتخابات، وتقاسمهم مناطق النفود والغنائم لضمان بقائهم في مواقع القرار في السلطة المركزية وتوابعها في المحافظات .
الآن وقد اعلن تحرير العراق من عصابات داعش الارهابية، يأتي استحقاق الحرب ضد الفساد، السرطان الأكبرالذي أنجب داعش ورعاها ومولها وأدامها، وسينجب بدائلها لاحقاً، ان لم تكشف أذرعه المنتشرة في هياكل الدولة العراقية، وتقدم رؤوسه الفاعلة للمحاكم، بشفافية كاملة وبعيدة عن المحابات والتوافقات والصفقات السرية، التي حققت مصالح احزاب السلطة على حساب المصلحة الوطنية في السنوات الماضية.
أن الحرب ضد الفساد تقتضي في واحدة من مفاصلها الرئيسية حصر السلاح بالمؤسسات الامنية الرسمية، ومن ضمنها الاسلحة المستخدمة في النزاعات العشائرية، الشاغلة للقوى الأمنية عن واجباتها لتحقيق الأمن والأمان للمواطنين، وهي لاتقل خطورةً عن أسلحة المليشيات في العاصمة والمدن العراقية، لان استخدامها خارج القانون يخضع لنفس الآ ليات والاهداف والولاءات .