تحذيرات متصاعدة من نسبة السكّر في المشروبات الغازية والعصائر.
“قد تظهر المشروبات الغازية والعصائر لذيذة جداً ومنعشة، وخصوصاً في فصل الصيف وشهر الصيام، غير أن محتواها يؤكد وجود مخاطر صحية تؤدي إلى الإصابة بالسرطان والموت، ما يدفعنا اليوم إلى التفكير بطريقة جدية”. ورد ذلك في مساءلة كتابية رسمية وجهها النائب في البرلمان الجزائري هشام صفر إلى رئيس الوزراء نذير العرباوي لمطالبته بتحديد سقف نسبة السكر في المشروبات بجميع أنواعها.
وضمن المساءلة التي اطّلع “النهار العربي” على نسخة منها، فصّل النائب في أخطار المشروبات الغازية (التي تسمى باللهجة المحلية “القازوز”) على صحة الجزائريين، فالجزائر على حد قوله تعرف حالات سرطان متزايدة من عام إلى آخر، وهنا استدل بمحافظة قالمة (شمال شرق البلاد وتبعد عن العاصمة 537 كلم) التي تشهد كل عام تقريباً أكثر من 500 حالة جديدة.
ومعظم المشروبات الغازية والعصائر تحتوي على 12 في المئة من السكّر، وهو رقم بعيد جداً عن المعايير العالمية لأنظمة الصحة والتغذية، وقد يكون هذا حسبما ورد في نص المساءلة البرلمانية من الأسباب الرئيسية لهذا المرض الذي ينخر أجساد الكثير من الجزائريين والذي كلف الخزينة العمومية أموالاً طائلة.
غير مطابقة للمعايير العالميةوفي حوار مع “النهار العربي” يستعرض اختصاصي التغذية بالمستشفى الكبير في محافظة الجلفة (تبعد عن العاصمة الجزائرية حوالي 300 كلم) دهيليس حسان، مخاطر المشروبات الغازية والعصائر التي تباع في الأسواق الجزائرية، ويقول إن “جميع المشروبات المتوافرة في السوق غير صحية بكل أنواعها، حتى مشروبات الحمية الخاصة بمرض السكري، لأسباب عدة أهمها أنها تحتوي على كميات كبيرة من السكريات البسيطة كالغلوكوز”. والأمر المؤسف وفق حسان أن “معظم المنتجات الجزائرية لا تراعي الشروط المعمول بها من قبل منظمة الصحة العالمية، سواء من ناحية جودة المنتج أو من ناحية المصداقية في الكشف عما يحتويه”.
ولهذه المشروبات تأثيرات خطيرة على المدى القريب، يذكر منها “مرض السمنة المفرطة أو الوزن الزائد والتي بدأت تنتشر لدى البالغين والأطفال لاحتوائها على سعرات حرارية وبكميات كبيرة، إضافة إلى مرض السكري لاحتوائها على نسب كبيرة من السكر وقد بلغت الحد الأقصى في الجزائر”.
ويشير اختصاصي التغذية إلى أن “هذه المشروبات الغازية والسكرية تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين التي تؤثر كثيراً على القلب والأوعية الدموية، وقد يؤدي تضييقها أو انسدادها إلى نوبة قلبية أو ذبحة صدرية، لأن جسم الإنسان عندما يتلقى كميات مضاعفة من السكر سيعمل على تخزينها بشكل غليكوجينات ودسوم ثلاثية، ومع مرور الوقت تؤدي المستويات العالية من السكر إلى تلف الأوعية الدموية”. جريمة مكتملة الأركانوتشير الأرقام التي نشرتها المنظمة الجزائرية لإرشاد وحماية المستهلك ومحيطه، بمناسبة حملة أطلقتها للتوعية بمخاطر تناول المشروبات الغازية، إلى أن ما تصنعه بعض الشركات الجزائرية يحتوي على كميات كبيرة من السكر، فالتوصيات التجارية تؤكد أن النسبة يجب ألا تتجاوز 80 غرام سكر في الليتر الواحد، بينما تتجاوز النسبة في الجزائر 100 غرام، وهو رقم قياسي عالمي. وتصف المنظمة ما يحدث في سوق المشروبات الغازية والعصائر بأنه “جريمة مكتملة الأركان” ترتكب في حق المستهلك الجزائري، واللافت حسب المنظمة أن “بعض الشركات المنتجة تتحايل بتعويضها كلمة السكر بغلوسيدات حتى لا يعرف المستهلك كم يستهلك من السكر، وقد كان لهذا الأمر تداعيات وخيمة. فالجزائر اليوم هي البلد الخامس في العالم في نسبة إصابة أطفاله بالسكري وتحصي ملايين المرضى بهذا المرض من النوع 2 ونستهلك تقريباً 5 مليارات ليتر من المشروبات سنوياً، أي 114 ليتراً سنوياً لكل مواطن وهي أرقام رسمية مصرح بها من طرف منتجي المشروبات الجزائرية”.
وهذا كله من دون الإشارة إلى عصير “الشاربات” الذي يحتل مكانة خاصة لدى الجزائريين، وخصوصاً في شهر رمضان وفصل الصيف، والتي يدخل في تكوينها الكثير من الأحماض والمواد الكيميائية المضرة بالصحة، على غرار حمض السوربيك أو حمض الهكسادونيك وهو مركب عضوي طبيعي يستخدم في حفظ الطعام صيغته الكيميائية تقدر بـ C6H8O2، وأيضاً نجد حمض السلفيتات والبنزوات وهو مركب كيميائي له الصيغة التالية C6H5COONa ، وهو ملح الصوديوم لحمض البنزويك، يستخدم في الإضافات الغذائية وله الرقم (E211) .
ما هي أخطارها؟وتكشف الاختصاصية في التغذية فاطمة الزهراء لحرش لـ”النهار العربي” عن أخطار هذه المشروبات على المديين القصير والطويل، وتقول إن “نسبة الإصابة بسرطان الثدي كانت في السنوات الأخيرة قليلة جداً عند الفتيات البالغات في سن العشرين، لكن اليوم بدأ هذا الداء يتطور بسرعة شديدة عند هذه الفئة”. وتعزو لحرش الارتفاع في نسبة الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني في الغالب إلى “الإدمان المفرط على المشروبات والعصائر، فأغلب المصابين هم في مرحلة مقاومة الأنسولين ويتعاطون غلوكوفاج أو الميتفورمين وهو دواء فموي للسكري يساعد على التحكم في مستويات السكر في الدم”. وسيكون للمشروبات الغازية والسكرية تأثير على جسم الإنسان على المدى القريب، إذ يصاب الإنسان حسبما كشفته الاختصاصية في التغذية بـ”التهاب الكبد الدهني بسبب تضخم الكبد وتلفه نتيجة الترسبات، إضافة إلى الإصابة بمرض الغدة الدرقية”. ما المطلوب اليوم؟يجمع متخصصون اليوم على ضرورة خفض نسبة السكر في المشروبات الغازية والعصائر، ويقترح النائب صفر “تسقيف نسبة السكر في المشروبات بجميع أنواعها بثلاثة غرامات وفقاً للمعايير الدولية حفاظاً على سلامة الجزائريين من مرض عضال من جهة، وتجنيب الخزينة العمومية أموال العلاج الطائلة من جهة أخرى”. ويقترح المنسق الوطني لجمعية حماية المستهلك فادي تميم، احترام المعايير المعمول بها دولياً، ففي عبوة واحدة ذات سعة ليتر واحد يجب ألا تتجاوز نسبة السكر 23 غراماً بنسبة 95 في المئة سكر حر. ويقول حسان إن “هناك العديد من البدائل الطبيعية عن المشروبات الغازية كالمياه الغازية بإضافة قطع فواكه، فهذه المياه خالية من الملونات الغذائية والمواد الحافظة إضافة إلى تناول العصائر الطبيعية المفيدة للجسم”.