حسن فليح /محلل سياسي
في عام 2019 ايام الحملة الانتخابية صرح بايدن انه سيتعامل مع السعودي كدولة منبوذة وفاز بالانتخابات واصبح رئيسا للولايات المتحدة وباشر بأول خطواتة لتنفيذ وعده بفتح ملف مقتل جمال خاشقچي الصحفي السعودي المعروف وقام بحضر الاسلحة الهجومية للمملكة العربية السعودية بحجة منع استخدامها لمهاجمة جماعة الحوثي باليمن عندما كانت المملكة تقود تحالف عربي ضد الحوثيين باليمن ، ولم يتوقف بايدن عند هذا الحد بل ذهب الى رفع جماعة الحوثي من قوائم الارهاب ، كما قام بسحب منظومة صواريخ الدفاع الباتريوت من السعودية ، الامر الذي أعطى الضوء الاخضر للحوثيين والسماح لهما بمهاجمة السعودية والامارات دون اي موقف من الولايات المتحدة لمساعدة حلفائها الخليجيين! وامام تلك المواقف المتشنجة من قبل ادارة بايدن التي لم يشهدها تاريخ العلاقة السعودية الامريكية ، قامت السعودية بتوسيع علاقتها مع روسيا وتمتينها ، وأبرام صفقة كبرى مع الصين وفتح حوار مع الحوثيين وكذلك فتح حوار مع ايران لاعادة العلاقات معها وقد تكلل جهدها هذا باعادة تلك العلاقة المقطوعة بين ايران وبينها التي استعادتها عام 1991.، وقطعتها السعودية مجدداً في مطلع عام 2016 بعد الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران. وتمت إعادة الصلح بإتفاق مُعلن في 10 مارس 2023 في العاصمة الصينية بكين، بعد سلسلة من اللقاءات بين الطرفين سبقتها اجتماعات بين ايران والسعودية بالعاصمة بغداد بوساطة عراقية، وبعد اشتعال الحرب بين روسيا واوكرانيا شهد العالم ازمة الوقود نتيجة تلك الحرب والعقوبات الامريكية على روسيا ومقاطعتها من اغلب الدول الغربية تنفيذا لنظام العقوبات ، وامام هذا التطور المفاجئ جعل بايدن ان يتحرك باتجاه السعودية طالبا منها زيادة الانتاج النفطي لسد حاجة السوق ، ولم تستجيب السعودية لهذا الطلب ، وسط ذهول بايدن وادارتة، اثبتت بذلك المملكة ان الولايات المتحدة هي بحاجة ماسة الى السعودية وليس العكس !! هذا الانقلاب بمفاهيم القواعد الثابته بالسياسة والنفوذ جعل من الرئيس بايدن ان يتراجع عن سياسته المتخبطة ازاء المملكة كثيرا ومراجعة مواقفه السابقة غير المدروسة خاصةً عندما اصبحت امريكا بمواجهة الحوثي بالبحر الاحمر الذي دفعها الى تشكيل تحالف الازدهار للتصدي للحوثيين بعدما كانت مدافعة عنهم ورفعتهم من قوائم الارهاب ! ان لهذا التخبط السياسي الذي اصاب ادارة الديمقراطيين موروث من زمن اوباما الذي سلم العراق الى ايران ! والذي تدفع ثمنه الان ادارة بايدن امام الشعب الامريكي وعلى حساب سمعتها في العالم ومصداقيتها عند العراقيين والعرب اجمعين ، تلك السياسة السعودية الثابتة والواثقة هي التي جعلت من بايدن ان يحث الخطى لاهثا خلف السعودية ، عندما ارسل جاك سوليفان الى المملكة من اجل اعادة العلاقات الى طبيعتها ورفع الحضر عن توريد الاسلحة الهجومية لها وسط شعور
بايدن وادارته انها اخطأت كثيرا في تقدير الموقف بالمنطقة وجعلت ابواب الخليج مفتوحة وسالكة امام النفوذ الصيني والروسي بوجود حليفتهم ايران المجاورة لدول الخليج ، هذا النجاح للسياسة السعودية جعلها مؤهلة تماما بقيادة العرب ودول المنطقة دون ضجيج ودون تعالي على احد ، لقد اجبرت سياسة المملكة برضوخ بايدن لها ، في اول محطة من الصراع السياسي ، فهل تستطيع السعودية استكمال نجاحها هذا باجبار الولايات المتحدة بالاعتراف بفلسطين وتبني مشروع حل الدولتين؟ انها معركة الفصل الاخير من اللعبة التي استمرت اكثر من 75 عاما والنجاح فيها يعني النجاح على مستوى القرن الحالي ، امر طبيعي سيكون ثمن الموافقة على حل الدولتين من قبل امريكا واسرائيل هو المباشرة بعملية التطبيع مع اسرائيل بقيادة السعودية لتشمل العرب ، وبذلك يتحقق السلام المنشود والمفقود منذ وعد بلفور الى يومنا هذا ، في صراع لم يجني منه العرب غير المزيد من الخسائر على مستوى الارض والارواح والمعنويات فيما يخص الشعوب العربية المعزز بعدم ثقتها بحكوماتها من ان تقود صراعا حقيقيا باستعادة الحقوق ، وان مايجري الان من جريمة ابادة جماعية للفلسطينيين في غزة امام صمت العرب والمجتمع الدولي يجسد الفهم بعدم ثقة الجماهير العربية بحكامها، لقد ادرك الرئيس المصري السابق المرحوم انور السادات تلك الحقيقة مبكرا حين قال ان “اسرائيل حقيقة واقعة” بعد ان يأس تماما من ان الصراع اصبح غير مجديا في ضل تفاوت القوى وميزان الاصطفافات الدولية لصالح اسرائيل، كانت تلك الرؤية سباقة لمسألة الوهن والضعف المصاحب لعملية الصراع العربي الاسرائيلي من قبل السادات ، اليوم السعودية مؤهلة ان تقود المنطقة العربية للسلام وننتهي تماما من الصراع غير المتوازن بالوقت الذي لم يكن العرب مؤهلين سابقا ولا حاليا الى حسم الصراع لصالحهم في ضل الظروف الدولية التي اتسمت بتشابك المصالح الدولية واستخدام الصراع العربي الاسرائيلي لمصالحهم امام عجز العرب في بلورة موقف دولي يصب بمصلحتهم خدمةً لصراعهم امام اسرائيل ، هل تستطيع المملكة العربية السعودية النجاح في رسم النهاية لهذا الصراع ؟!