شكّل انتصار الإسباني كارلوس ألكاراز على الألماني ألكسندر زفيريف في المباراة النهائية لبطولة فرنسا المفتوحة، ثانية البطولات الأربع الكبرى لكرة المضرب، الأحد الفصل الأخير في العاصمة باريس في رواية من المتوقع أن تنتهي بـ”30 لقباً في الغراند سلام”، وبات ابن الـ21 عاماً على دراية بكيفية تحديد معالم جديدة في عالم الكرة الصفراء.
عندما فاز بباكورة ألقابه في البطولات الكبرى في الولايات المتحدة قبل عامين، أصبح ألكاراز أصغر لاعب يفوز بلقب كبير منذ مواطنه الاسطورة رافايل نادال (38 عاماً) الفائز برولان غاروس عام 2005.
لم يكتفِ ألكاراز بهذا الانجاز، بل اتبعه برقم قياسي جديد حين بات أصغر لاعب يرتقي إلى صدارة التصنيف العالمي.
كما دوّن النجم المتواضع صاحب العضلات المفتولة من بلدة إل بالمار الصغيرة في جنوب شرق إسبانيا اسمه في سجلات كرة المضرب عندما بات في دورة مدريد لماسترز الألف عام 2022 الوحيد الذي هزم كلا من نادال والصربي نوفاك ديوكوفيتش في الحدث نفسه على الملاعب الترابية.
لحسن التدبير، حقق ذلك خلال يومين توالياً في طريقه إلى الفوز باللقب.
– “عدم الاستسلام أبداً” –
قال توني نادال، عم رافايل ومدربه السابق “قوة كارلوس وسرعته هما أمران نادراً ما تراهما، أسلوب لعبه يتبع المسار نفسه لرافا، فهو لا يستسلم أبداً حتى الكرة الأخيرة ويتمتع بهذه القوة المميزة”.
كان نادال يبلغ 19 عاماً أيضاً عندما فاز بلقبه الكبير الاول من سلسلة من أصل 22 لقباً، في رولان غاروس عام 2005.
ورغم التشابه الكبير بينهما، ناشد نادال دائماً الجماهير عدم الضغط على ألكاراز من خلال إجراء مقارنات جريئة.
قال “الماتادور” الإسباني المتوج 14 مرة في رولان غاروس “لقد نسيت ما كنت عليه عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو الاستمتاع بمسيرة لاعب استثنائي مثل كارلوس”.
وأردف قائلا “إذا تمكن من الفوز بـ25 لقباً في البطولات الأربع الكبرى، فسيكون ذلك أمراً رائعا بالنسبة له ولبلدنا. لكن لندعه يستمتع بمسيرته”.
وعلى الرغم من مناشدات نادال، إلاّ أن إجراء المقارنات هو أمر لا مفر منه.
فاز نادال بأول ألقابه الـ92 في دورة سوبوت البولندية عام 2004 عندما كان في سن الـ18 عاماً. أما ألكاراز الذي تلقّن فنون كرة المضرب في مدرسة يديرها والده، فكان أيضاً في السن ذاتها عندما فاز بباكورة ألقابه في دورات المحترفين في أوماغ الكرواتية عام 2021.
وخارج الملعب أيضاً تتشابك مسارات اللاعبين، اذ يحاولان قدر الامكان الابتعاد عن أضواء الشهرة وحماية حياتهما الشخصية، وداخله يحظيان بدعم جماهيري ويفرضان أسلوب لعبهما الذي يعتمد على الدفاع الصلب والهجوم الناري.
خاض نادال نهائي ماراثوني في بطولة أستراليا المفتوحة الذي استمر خمس ساعات و53 دقيقة في عام 2012، خسره أمام ديوكوفيتش.
قبلها بأربع سنوات، فاز بأول لقب له في بطولة ويمبلدون بعد مباراة ملحمية استمرت أربع ساعات و48 دقيقة بمواجهة السويسري روجيه فيدرر واعتبرت على نطاق واسع أعظم مباراة نهائية على الإطلاق في البطولات الأربع الكبرى.
– “لاعب تنافسي” –
قال ألكاراز “أعلم أنني لاعب تنافسي جدا. أتنافس عندما ألعب أي شيء، غولف، بيتانكا (الكرة الحديدية)، أنا لا أحب أن أخسر”.
وإلى جانبه يتواجد المدرب مواطنه خوان كارلوس فيريرو، الفائز ببطولة فرنسا المفتوحة عام 2003 والذي ارتقى أيضاً إلى المركز الأول للتصنيف العالمي في بطولة الولايات المتحدة الأميركية على ملاعب فلاشينغ ميدوز في وقت لاحق من العام ذاته.
قال فيريرو الذي بدأ بالاشراف على “الطفل” ألكاراز عندما كان في سن الـ15 عاماً “أوّد أن يفوز كارلوس بـ30 لقباً في البطولات الأربع الكبرى. سيكون هناك الكثير من الفرص”.
ولا تبدو كلمات فيريرو بعيدة عن الواقع، حيث هيمن ألكاراز على الدورات الأوروبية والإسبانية للناشئين وفي الفئات الأدنى تحت إشراف ألبرت مولينا، وكيل لدى “آي أم جي” الذي كان عراب الشراكة الناجحة بين ألكاراز وفيريرو.
لاحقاً، ضم فيريرو مواطنه الشاب إلى أكاديميته في فالنسيا، على بعد 120 كيلومتراً من إل بالمار. وسرعان ما اجتذبت موهبته الخام الرعاة، حيث سارعت العلامات التجارية البارزة مثل “نايكي” و”رولكس” الى التعاقد مع وريث نادال.
أدى ذلك إلى توسّع الطاقم المساعد حول ألكاراز، وسرعان ما ضمّ مدربا بدنيا وأخصائي علاج طبيعيا وأطباء.
كانت الإشارة إلى إمكاناته واضحة في دورة ريو على الملاعب الترابية في عام 2020 عندما كان يبلغ 16 عاماً فقط، حين كان يحتل المرتبة 406 عالمياً، وفاز على مواطنه ألبرت راموس-فينولاس مسجلا انتصاره الأول في دورات المحترفين.
ولم تقف علاقة المدرب واللاعب عند هذا الحدّ، اذ طوّر ألكاراز وفيريرو رابطاً مهنيا قوياً وشخصية عميقة.
انقطعت الشراكة بين الرجلين عندما عاد فيريرو إلى منزله بعد وفاة والده، وسرعان ما عبر المحيط الأطلسي مرة أخرى في الوقت المناسب لرؤية ألكاراز يفوز بأول لقب في دورات ماسترز الألف في في مسيرته وكان ذلك في ميامي في آذار(مارس) قبل عامين.
قال فيريرو عندما طُلب منه رسم مسار تلميذه المستقبلي “دعه يتدفق، دعه يلعب”.
أما بالنسبة لألكاراز، فطموحاته لا تعرف حدودا وحدّه الأقصى هي السماء بعدما نجح في تدوين اسمه ضمن قائمة تاريخية للعديد من مواطنيه الذين رفعوا كأس موسكيتيرز (الفرسان) في رولان غاروس.