حسن فليح /محلل سياسي
قدمت “تريسي جاكوبسون” مرشحة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصب سفيرة الولايات المتحدة في العراق كلمتها الافتتاحية أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية، وتطرقت في معرض حديثها الى ثلاثة نقاط رئيسية مهمة فيما يتعلق بالعراق والتي تشكل انقلابا واضحا لسياسة امريكا المتبعة بالعراق منذ عشرين عام ، الاولى تتعلق بالمليشات والثانية بالنفوذ الايراني والثالثة ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي بمعنى السيطرة اكثر على عائدات النفط العراقي ، وحتى نفهم دوافع واسباب التوجهات الامريكية الجديدة اتجاه العراق والمنطقة ، علينا اثارة الاسئلة التالية ، لماذا الان وبهذا التوقيت تريد الولايات المتحدة من تغيير نمط سياستها المتبعة بالعراق؟ والماذا العراق الدولة الوحيدة يتم مناقشة السفراء المرسلين اليه لشغل المنصب ؟ وهل امريكا الان أنها شعرت هناك مليشيات وفصائل مسلحة تابعة لايران وأحست بالنفوذ الايراني المتفاقم بالعراق؟
اعتقد انها اسئلة تراود جميع القراء والعراقيين على مختلف انتماءاتهم وميولهم الفكرية والسياسية ، نحن نعلم جيدا ان الفصائل المسلحة الايرانية تشكلت وتدربت وتسلحت بعلم ودراية الولايات المتحدة ! علما انها ساعدت على تسهيل مهمة استلام الحكم بالعراق من قبل الاحزاب الدينية والطائفية الموالية لايران ! اما موضوع ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الدولي من اجل تقليل الفساد بالعراق وعدم سرقة اموال النفط المصدر والمهرب ، فكانت تلك الخطوة متاحة منذ اليوم الاول للاحتلال ! فلماذا الان لجأت واشنطن للشروع باتخاذ تلك الخطوة ؟ يبدو ان الولايات المتحدة مجبرة على تغيير سياستها بالعراق والمنطقة بعد التحديات التي يشهدها العالم ومنطقتنا على وجه التحديد وخاصة بعد فشلها الذريع بالعراق ، بالتزامن مع التحديات التي حدثت نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية والتمدد الصيني بالمنطقة وتشكيل المحور الصيني الروسي الايراني المتاخم لدول الخليج “النفطية”، علما ان حليفتهم ايران تمتلك نفوذ وقوى مسلحة موالية لها في خمس عواصم عربية ،اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ، جائت الحرب على غزة لتذكي كل ذلك الخطر دفعة واحدة امام امريكا وحلفائها الغربيين ، الامر الذي دفعهم على حماية امن اسرائيل وحماية الممرات المائية البحرية، من خلال تواجد الاساطيل الامريكية البريطانية والفرنسية والايطالية في بحار المنطقة والخليج العربي،ان الخطر الذي يواجة الولايات المتحدة من جراء فشل سياسة الديمقراطيين المتخبطة في العراق والمنطقة والعالم من عهد الرئيس اوباما وصولا الى بايدن اصبح يهدد مستقبلهم السياسي في الولايات المتحدة وبات الامر محرج للغاية ليس لان الديمقراطيين سيخسرون معركة الانتخابات القادمة امام ترمب فحسب ، وانما من شأن ذلك انه سيمتد لعقود قادمة ، حيث ان الانتخابات الامريكية القادمة تُعد هي الاخطر على مستقبل امريكا عبر تاريخها ، فهل تستطيع السفيرة الجمهورية المرشحة الجديدة من تغيير وجه المعادلة بالعراق والمنطقة بالوقت الضائع ؟ امريكا تعلم جيدا ان العراق هو مركز الشرق الاوسط وان تغيير المعادلة السياسية فيه تعني انهيار كامل لكل ماتم البناء عليه من بناء معادلة رخيصة ودنيئة وغير عادلة وخارجة عن سياقات المنطق السياسي بعد 2003 وان اخطاء سياستها القذرة بالعراق اصبحت وابل عليها تستوجب التغيير والاصلاح ، كونها جعلت وسمحت ان يكون الاقتصاد العراقي المنهوب المغذي الرئيسي لكل قوى السلاح بالمنطقة ، من اجل غايات واهداف خبيثة غايتها تدمير العراق وعدم استقرار المنطقة ، ان سياسة الفوضى التي اقامتها الولايات المتحدة بالتعاون مع ايران بالعراق لم تعد مجدية وتتعارض مع مجريات الاحداث وتداعياتها التي لم تترك مجالا متاحا كالسابق لمزاولتها وانعكست سلبا على مستقبل وجودها ومصالحها بالعراق والمنطقة والعالم ، تداركت واستدركت الدولة العميقة في امريكا للخطر المحدق بها فدفعت بالسفيرة الجمهورية لبغداد لتمهد لفترة حكم الجمهورين بقيادة ترامب، تريد امريكا من العودة بالعراق الى عام 2003 وان ارسال السفيرة الجديدة بمثابة حاكم مدني جديد لقيادة المرحلة القادمة بالعراق ، في حين ان تلك الخطوة جائت بعد تحويل الملف العراقي من وزارة الخارجية الامريكية الى جهاز “سي أي اي والبنتاغون” وفي السنوات الاخيرة أرسلت واشنطن العديد من السفراء إلى بغداد لم يترك أي منهم بصمة في سياق العلاقات بين البلدين، بينما اختلف الأمر مع رومانسكي، التي غازلت الفصائل والاحزاب الدينية الموالية لطهران فتركت بصمة مشينة، في حين تشير التوقعات ان السفيرة المرشحة الجديدة للعراق ستكون مختلفة تماما ومغايرة لسياسة رومانسكي المهادنة ، والتي ستكون رادعة للفصائل المسلحة والعمل على تقليص كبير للنفوذ الايراني في العراق والمنطقة وربما العمل الجدي لتأسيس أسس النظام السياسي القادم للعراق الذي سيكون مختلفا كليا عما هو عليه الان .