هل يتسبّب الزّيليتول بالتجلّط وأمراض القلب؟

1

تعبيرية (أ ف ب)

يعدّ الزيليتول من الكحول السكّريّ (لا علاقة له بالكحول) التي بات تناولها رائجاً في السنوات الأخيرة كبديل عن السكّر. فالزيليتول يحلّي الطعام لكنّه لا يرفع مستوى الإنسولين ممّا يجعله ملائماً جداً لمرضى السكّريّ، أو للّذين يتّبعون نظاماً غذائيّاً منخفض الكربوهيدرات مثل الكيتو والأتكينز. علاوة على ذلك، تشير الدراسات إلى أنّ الزيليتول يحمي الأسنان من التسوّس والمينا من التفكّك.

لكنّ دراسة جديدة نشرتها “الجمعيّة الأوروبيّة لأمراض القلب” أظهرت أنّ مصابين بعارض من أعراض أمراض القلب والأوعية الدموية كانت لديهم نسب مرتفعة من هذه الزيليتول في البلازما. فهل بات واجباً تجنّب تناول هذا المحلّي؟

في “المجلس الأميركيّ للعلوم والصحّة” يقدّم طالب الدراسات العليا في التغذية في جامعة ساو باولو البرازيلية ماورو بروينسا قراءته للدراسة واستنتاجه الخاصّ:

بعد مرور عام تقريباً على إشارة زميلي الدكتور تشاك دينرشتاين (جرّاح أوعية دمويّة والمدير الطبّيّ في “المجلس الأميركيّ للعلوم والصحّة”) إلى عيوب في دراسة لاحظت زيادة تجلّطات الدم بعد تناول الإريثريتول (أيضاً من الكحول السكّريّ التي لا يرفع مستوى الإنسولين)، نواجه الآن دراسة جديدة من نفس المجموعة، تركّز على الزيليتول. بحسب نتائج التجربة، يعزّز الزيليتول تكوين جلطات الدم ويرتبط بمضاعفات القلب والأوعية الدموية.

تقدّر أبحاث السوق أنّ قيمة سوق الزيليتول وصلت إلى 701.5 مليون دولار سنة 2022 ومن المتوقّع أن تنمو، ممّا يشير إلى اهتمام كبير بالمكوّن. يمكن أن تؤثّر الأدلّة على ضرر الزيليتول بشكل كبير على كيفيّة تعامل الجمهور والشركات مع هذا المُحلّي. وبدلاً من إطلاق مناقشة منطقيّة حول مدى موثوقيّة البيانات، استغلّت مواقع الأخبار التقليديّة هذه النتيجة الضارّة المفترضة من خلال نشر مقالات ذات عناوين تعتمد على الإثارة ونشرت معلومات مضلّلة، وولّدت القلق لدى الآلاف من المستهلكين.

بناءً على قراءتي للبحث، هذه النتائج مهمّة ومثيرة للفرضيّات، لكن يجب أن تؤخذ بحذر.

ما هو الزّيليتول؟

الزيليتول هو كحول سكّريّ ذو مؤشر غلايسيمي (مؤشر نسبة السكر) وسعرات حراريّة منخفضة. يتمّ استخدامه على نطاق واسع في صناعة الموادّ الغذائيّة كمادّة مضافة لتحسين النكهة والملمس والعمر الافتراضيّ للحلويات والشوكولا والعلكة وغيرها. وفي صناعة الأدوية، يتم استخدامه لتصنيع معجون الأسنان بسبب تأثيره المضاد للتسوّس وإنتاج شراب السعال.

بالنظر إلى امتلاكه قوة تحلية تشبه السكّر من دون أن يترك مذاقاً خاصّاً بعد تناوله، اكتسب الزّيليتول شعبيّة بين الأشخاص الذين يبحثون عن بدائل للسكر. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى انخفاض المؤشر الغلايسيمي في الدم، والقدرة على تجنّب التسبّب بارتفاع مفاجئ في مستويات السكّريّ في الدّم، يمكن التوصية به للأشخاص الذين يعانون من مرض السكّريّ. 

على الرغم من أنّ معظم إنتاجه في جميع أنحاء العالم يتمّ من خلال المعالجة الكيميائيّة، يعدّ الزيليتول “طبيعيّاً” ويوجد في الفاكهة مثل الفراولة والموز، الخضار كالجزر والبصل، وبشكل أساسيّ، في ما يرتبط بتحليل هذه الدراسة، داخل أجسادنا. يمكن للفرد السليم الذي يتمتّع بعمليّة أيض طبيعيّة أن ينتج من 5 إلى 15 غراماً من الزيليتول يوميّاً.

يتمّ تصنيف الزيليتول على أنه مادّة مضافة GRAS (“تعدّ آمنة بشكل عام”) من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركيّة وتمّ اعتماده كمضاف غذائيّ من قبل العديد من الهيئات الناظمة في جميع أنحاء العالم، من ضمنها الاتحاد الأوروبي والبرازيل. تأثيره السلبيّ الوحيد المعترف به هو تأثيره المليّن الذي يحدث عندما يتجاوز الاستهلاك 60 غراماً يوميّاً.

الزيليتول ومضاعفات القلب والأوعية الدمويّة

تهدف دراسة حديثة نشرتها “الجمعيّة الأوروبيّة لأمراض القلب” إلى التحقّق ممّا إذا كان استهلاك الزيليتول مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. قامت دراسة “اكتشافية” رصديّة أوّليّة بتحليل 1157 عيّنة من البلازما لتحديد المستقلبات (metabolites)، وهي منتجات أيضنا التي ارتبطت تركيزاتها بأحداث القلب والأوعية الدموية الضارّة على مدى فترة متابعة مدّتها 3 أعوام.

من الخصائص العامّة للمشاركين في هذه الدراسة:

كانوا مسجّلين جميعاً لدى بنك الجينات بين سنتي 2001 و2003.

• بلغ متوسط العمر 65 عاماً.

• معظم المشاركين كانوا من الذكور (64 في المئة).

• كان متوسط مؤشّر كتلة الجسم 28.4، في إشارة إلى زيادة في الوزن.

• كان هناك ارتفاع في معدّل انتشار أمراض القلب والأوعية الدمويّة (76 في المئة)، ومرض الشريان التاجيّ (76 في المئة)، واحتشاء عضلة القلب (46 في المئة)، وارتفاع ضغط الدم (72 في المئة).

تم العثور على الزيليتول وأيزومراته (isomers) بمستويات مرتفعة لدى الأشخاص الذين عانوا من حدث ضار كبير في القلب والأوعية الدموية (MACE) خلال فترة المتابعة البالغة 3 أعوام، بالمقارنة مع أولئك الذين لم يصابوا به.

تمّ إجراء دراسة ثانية شملت أعضاء آخرين من نفس المجموعة، للتحقّق من صحّة النتائج التي تم التوصل إليها في “الاكتشاف”، والتي شملت هذه المرة 2148 عيّنة من البلازما.

مرة أخرى، لوحظ أنّ المتطوّعين الذين عانوا من “مَيس” كانت لديهم مستويات مرتفعة من الزيليتول. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ التحليل باستخدام نموذج كوكس للمخاطر النسبيّة كشف أنّ الأشخاص الذين لديهم مستويات زيليتول أعلى في البلازما واجهوا خطراً أعلى بنسبة 57 في المئة للإصابة بـ”مَيس” من أولئك الذين لديهم مستويات منخفضة من الزيليتول في البلازما.

البحث عن سبب

قدّم الباحثون دراسات على البشر والفئران لتحديد الآليّة الأساسيّة للضرر الظاهر للزيليتول.

في التجربة البشريّة، تم اختيار عشرة متطوّعين أصحّاء تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، ممّن لم يستخدموا الأدوية المضادة للصفيحات خلال الـ 14 يوماً الماضية والمضادّات الحيوية أو البروبيوتيك في الشهر الماضي، ولم يكن لديهم أيّ أمراض يمكن أن تؤثّر على نتائج التجربة، مثل اضطرابات مزمنة في الجهاز الهضمي أو داء السكّريّ.

تم جمع عيّنات الدم لقياس مستويات الزيليتول قبل التدخل، عبر مشروب محلّى صناعيّاً بـ 30 غراماً من الزيليتول المذاب في الماء، وتمّ توجيههم لاستهلاكه خلال دقيقتين كحد أقصى. تم أخذ عيّنات من الدم مرة أخرى على مدى عدة فترات، وتم عزل البلازما الغنيّة بالصفائح الدمويّة من الدم المجمّع، وأجريت اختبارات تراكم الصفائح الدمويّة.

• ارتفعت مستويات الزيليتول بعدما كانت منخفضة في البلازما بمقدار ألف مرة خلال أول 30 دقيقة بعد التناول، وعادت إلى الوضع الطبيعي تقريباً بعد 4 إلى 6 ساعات.

• في الفترة الفاصلة، وجدت العديد من القياسات الوظيفيّة لاستجابة الصفائح الدمويّة ارتباطاً محتملاً بين مستويات الزيليتول المرتفعة وتعزيز تراكم الصفائح الدمويّة.

في نموذج حيوانيّ، تعرضت فئران لإصابة في الشريان السباتيّ، وتلقت المجموعة المرجعيّة حقنة من محلول ملحيّ، بينما تلقت المجموعة الثانية حقنة من الزيليتول. وبنتيجة ذلك، أظهرت الفئران في مجموعة التدخّل:

• زيادة كبيرة في تكوين الجلطة.

• انخفاضاً كبيراً في الوقت الذي يستغرقه توقّف تدفّق الدم بعد الإصابة.

بناءً على هذه النتائج، استنتج الباحثون أنّ الزيليتول يرتبط بزيادة خطر الإصابة بحدث ضارّ كبير في القلب والأوعية الدموية وتفاعل الصفائح الدمويّة مع احتمال حدوث تجلّط الدم في الجسم الحيّ.

ليس بهذه السرعة

قبل تصنيف الزيليتول محلّياً ضارّاً، من الضروريّ ملاحظة القيود الكبيرة للدراسة. إنّ دراسات “الاكتشاف” و”التحقّق” هي دراسات رصديّة ولا يمكنها القضاء على المتغيّرات المربكة أو إثبات العلاقة السببيّة؛ بالحدّ الأقصى، يمكنها فقط إنشاء ارتباطات بين عامل ونتيجة.

لم يتمّ احتساب اثنين من المربكين المعروفين، ولم يتمّ إجراء أيّ تعديلات. لم تكن هناك معلومات متاحة عن النشاط البدنيّ للمشاركين. من الممكن أن يكون جزء كبير من العيّنة من الأفراد الخاملين، ولكن بالنظر إلى عدم فحص هذه المعلومات، لن نعرف أبداً.  

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّه لم يتمّ جمع أيّ معلومات غذائيّة، ممّا يجعل من المستحيل تقييم جودة النظام الغذائيّ والأطعمة المحدّدة المستهلكة، والأهمّ من ذلك، كمّيّة الزيليتول التي تم تناولها. وهذا يثير سؤالاً جديداً: إذا لم يتم تحليل كمّيّة الزيليتول المستهلكة، ولاحظ المؤلّفون أنّ المشاركين الذين لديهم أعلى مستويات دورة من الزيليتول كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بحادث قلبيّ وعائيّ ضارّ فكيف يمكننا أن نعزو هذه الزيادة إلى استهلاك الزيليتول الخارجيّ؟

لا نستطيع.

قد يكون التفسير الأكثر منطقيّة لهذه النتيجة، والذي اعترف به الباحثون، هو أنّ المستويات المرصودة ناجمة عن إنتاج داخليّ للزّيليتول بدلاً من أن تكون ناجمة عن استهلاكه. يشير هذا إلى أن السيناريوهات التي تتضمّن الإجهاد التأكسديّ ومشاكل الأيض الأخرى قد تزيد من هذا الإنتاج، على غرار الإريثريتول.

أخيراً، من المهم تذكّر أن لدى معظم المتطوّعين عبئاً كبيراً من عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

مع ذلك، يجب أن أعترف بأن التجربة السريريّة التي تبحث في استجابة الصفائح الدمويّة قد أطلقت بعض الفرضيّات المثيرة للاهتمام. إذا تمّ تكرار هذه النتائج وتأكيدها، فيمكن أن توفّر أساساً أكثر صلابة بقليل لفهم كيفيّة تصرّف الزيليتول في الجسم وآثاره الضارة المحتملة.

هل نشهد حالة أخرى من “السببيّة” غير المبرّرة التي تنطوي على استهلاك الزيليتول، على غرار الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء المؤلّفون في دراسات الإريثريتول؟

في الوقت الحالي، أتّفق مع هذا الاقتباس من الدكتور ديفيد لودفيغ، طبيب الغدد الصمّاء لدى الأطفال بمستشفى الأطفال في بوسطن التابع لجامعة هارفارد، والذي لم يكن أحد مؤلّفي الدراسة. فقد نقلت عنه “نيويورك تايمز” قوله:

“من الممكن أن يحمل الزيليتول بعض المخاطر بالمقارنة مع عدم تناول أيّ شيء، لكن هذه المخاطر أقل ممّا لو كنتَ تستهلك كمّيّات مماثلة من السكر”.

التعليقات معطلة.