زياد الدريس
يظن البعض أن أفضل طريقة لجعل الناس ينتبهون إلى النجاحات أو المنجزات التي حققها أثناء عمله هي تَوقّفُ هذه الأعمال بعد مغادرته المنصب حتى يشعر الناس بالفارق: قبل وبعد!
هذه النظرة، سواء صحّت أم لم تصح، أنانية مركزية تنشغل بالمنجِز أكثر من انشغالها بالمنجَز.
أُدرك أن الإنسان بطبيعته البشرية يسرّه أن يحظى بالتقدير والامتنان للأعمال التي نجح في تحقيقها، لكن يجب أن لا يصل هذا التطلّع للتقدير إلى درجة التضحية بالمنجزات، والسرور بتهاوي ما بُني من قبل، أي هدم الأعمال من أجل بناء الذات!
أتحدَّث الآن وفي ذهني نموذجان من الأعمال التي كان لي شرف المشاركة مع زملاء العمل في إنجازهما، أحدهما آلَ إلى وضعٍ محزن، وهو مجلة «المعرفة» التي صدرت بمبادرة من الوزير الراحل محمد الرشيد، وقد رأستُ تحريرها عشر سنوات حققتْ أثناءها انتشاراً كمياً ونوعياً ما زلت أسمع صداه المفرح، ولكن بألم يعقب السؤال عن أسباب ضعفها ثم توقفها؟!
أما المنجز الآخر فهو احتفالية «اليوم العالمي للغة العربية» التي كان لي شرف تأسيسها في العام ٢٠١٢ إبان عملي في منظمة اليونسكو. وسعدتُ بتنظيم الاحتفالية طوال السنوات الخمس الماضية وهي تتزايد توسّعاً وانتشاراً عاماً بعد آخر. وقد أخافني عدد من المهتمين بأن الاحتفالية ستتوقف عند نهاية مهمتي في المنظمة الدولية، مثلما تنتهي كثير من المبادرات برحيل أصحابها.. انتقالاً إلى عملٍ آخر أو انتقالاً إلى رحمة الله.
لكن لحسن الحظ، أن هواجس القلق لم تتحقق، وأن الاحتفالية أقيمت في موعدها السنوي أول من أمس (١٨ كانون الاول/ ديسمبر)، في مقر اليونسكو وفي العديد من المدن العربية وغير العربية، تماماً كما حدث في الأعوام الماضية. وأرجو أنها ستستمر للمديد من الأعوام القادمة بإذن الله، بغضّ النظر عن تبدّلات الأشخاص القائمين عليها.
أعبّر عن فرحي هذا، وقد احتفلتُ باليوم العالمي للغة العربية هذا العام، ولأول مرة خارج باريس، بل في مكانٍ عزيزٍ من بلادي، بعد أن كنت طوال الأعوام الماضية أتلقى الدعوات من مدن عربية مختلفة ولا أستطيع الاستجابة لها بسبب التزامي بحضور احتفالية المقر الرئيسي للمبادرة.
كانت محاضرتي يوم ١٨ كانون الأول هذا العام بالنادي الأدبي بالقصيم عن (حكاية اليوم العالمي للغة العربية) هي أول مشاركة وطنية لي في هذه المناسبة العالمية، تحدثت فيها عن كيفية ولادة الفكرة في ذهني ثم الإجراءات التي قمت بها بمعاونة الزملاء العرب في المنظمة حتى استطعنا استصدار القرار الدولي بذلك، ثم آلية الاحتفال بالمناسبة وتفعيلها وتمويلها بالتنسيق مع مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، ثم بعض ملامح التحول الإيجابي في مكانة اللغة العربية من بين اللغات الدولية الست خلال السنوات الأخيرة الماضية والأثر المتوقع لذلك على مستوى الاعتزاز باللغة عند أهلها، من الشباب خصوصاً.
هنيئاً مجدداً ومديداً بإذن الله للعرب ولمحبي العربية من مختلف جهات العالم بيوم اللغة العربية، أدامه الله.