التباعد بين دبلوماسية الولايات المتحدة وواقع الميدان العسكري يعكس تعقيد وتشابك المصالح الدولية في المنطقة
سوسن مهنا صحافية
من مشاهد الدمار في غزة (أ ف ب)
ملخص
يشير مراقبون إلى أن التصريحات الأميركية التي بشرت بقرب “النهاية السعيدة” لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة قد تكون جزءاً من الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات وإظهار التقدم في حل النزاعات، وقد تكون موجهة خصوصاً للجمهور الداخلي كما الخارجي لإعطاء انطباع بأن واشنطن تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار.
تتباعد المواقف بين التصريحات السياسية الأميركية والميدان العسكري في المنطقة مما يعكس تعقيد وتشابك المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وكانت الولايات المتحدة وقطر ومصر دعوا إسرائيل و”حماس” إلى استئناف المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال الـ15 من أغسطس (آب) الجاري في الدوحة أو القاهرة، وذلك في بيان مشترك وقعه كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الأميركي جو بايدن.
وقال الزعماء في البيان “لقد حان الوقت وبصورة فورية لوضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لسكان قطاع غزة، وكذلك للرهائن وعائلاتهم، وحان الوقت للانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين”، وذلك استناداً إلى المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن خلال الـ31 من مايو (أيار) الماضي والتي دعمها قرار مجلس الأمن رقم 2735، وفقاً للبيان.
وعلق مسؤول كبير في إدارة بايدن أنه “ليس الأمر كما لو أن الاتفاق سيكون جاهزاً للتوقيع الخميس (المقبل)، وما زال هناك كثير من العمل الذي يتعين إتمامه”، كما أكد مسؤولون أميركيون أن صفقة إطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة تبقى السبيل الوحيد لتهدئة التوترات الإقليمية التي وصلت إلى مستوى جديد، بعد أن اغتالت إسرائيل أحد كبار القادة العسكريين لـ”حزب الله” فؤاد شكر في بيروت، ومقتل الزعيم السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية في طهران.
ويشير مراقبون إلى أن تلك التصريحات والتي بشرت بقرب “النهاية السعيدة” للمفاوضات، قد تكون جزءاً من الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات وإظهار التقدم في حل النزاعات، وقد تكون موجهة خصوصاً للجمهور الداخلي كما الخارجي لإعطاء انطباع بأن الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وفي العادة تسعى الولايات المتحدة إلى إظهار تقدم حتى لو كانت التفاصيل على الأرض تشير إلى تصاعد التوترات.
السياق الانتخابي في الولايات المتحدة
وبما أن الولايات المتحدة تتحضر للانتخابات الرئاسية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن التصريحات الأميركية قد تكون جزءاً من الحملة الانتخابية وبخاصة إذا كانت إدارة الرئيس تسعى إلى إظهار إنجازات في السياسة الخارجية، وفي مثل هذه الأوقات قد تميل الإدارة إلى تضخيم الإنجازات أو التقدم في المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، في الوقت نفسه قد تكون هناك مقاومة داخل الإدارة أو من أطراف سياسية أخرى للتوجه نحو الحرب، وبخاصة إذا كانت هذه الحرب قد تؤثر سلباً في الاقتصاد أو على الرأي العام الأميركي.
الوضع الميداني المشتعل في المنطقة
وعلى الجانب الآخر قد تعكس التوترات الميدانية واقعاً مختلفاً تماماً، إذ تؤكد مواقف الأطراف على الأرض سواء كانت إيران أو الفصائل المدعومة منها وبالتحديد “حزب الله” أنها في حال استعداد للحرب، وقد تكون التصريحات المتباينة الصادرة عن طهران في إطار تعزيز لمواقعها تحسباً لأي انهيار للمفاوضات أو تصعيد مفاجئ.
وقد ترى بعض الفصائل أن التصعيد العسكري وسيلة للضغط على المفاوضات أو لتحقيق مكاسب إضافية، وهذا يشمل التصعيد على الحدود بين إسرائيل ولبنان، أو تعزيز القوات في مناطق استراتيجية مثل مضيق هرمز.
سفن إسرائيلية وأميركية في البحر الأحمر خلال مناورة بحرية (الجيش الإسرائيلي)
وصرح عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أحمد بخشايش أردستاني بأن “فيلق القدس التابع للحرس الثوري يعتقد أنه لم يكن هناك أي دور للمندسين في مقتل هنية، ووزارة الاستخبارات ترد بغموض في هذا الصدد”، مستدركاً أنه “ومع ذلك، يبدو أن هناك دوراً للمندسين في اغتيال هنية، وفي إيران من المعتاد ألا يتحمل أحد مسؤولية مثل هذه الحوادث”.
وذكر أردستاني أن الهجوم الانتقامي على إسرائيل سيكون “مفاجئاً” وبمساعدة “جماعات المقاومة”، وأضاف أن عدد الطائرات المسيرة والصواريخ التي سيطلقها في هذا الرد سيكون أكثر اتساعاً من الهجوم السابق على إسرائيل، وتابع أنه “على سبيل المثال يمكن أن يصل عدد المقذوفات نحو إسرائيل إلى نحو 600 قذيفة حربية”.
وتعليقاً على مجزرة مدرسة “التابعين” التي تؤوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة والتي قتل فيها أكثر من 100 فلسطيني وأصيب العشرات بجروح، بعدما قصف الطيران الحربي الإسرائيلي المدرسة خلال أداء المواطنين صلاة الفجر، كتب المستشار السياسي للمرشد الإيراني، علي شمخاني، على حسابه عبر موقع “إكس”، “إن غرض إسرائيل من قتل المصلين في مدرسة بغزة، واغتيال هنية في إيران هو إثارة الحرب وإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار”.
وفي السياق قالت بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة صباح أمس السبت إن “أولويتنا هي التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة، وأي اتفاق توافق عليه ’حماس‘ سنعترف به أيضاً”، لكنها أكدت أن إسرائيل “انتهكت أمننا القومي وسيادتنا من خلال العمل الإرهابي الأخير (اغتيال هنية)، ونملك الحق المشروع بالدفاع عن أنفسنا، وهو أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف إطلاق النار في غزة”.
هل هناك انقسامات داخل النظام الإيراني؟
كانت صحيفة “تليغراف” البريطانية أشارت في تقرير لها أول من أمس الجمعة إلى أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان “يخوض معركة” ضد “الحرس الثوري” في محاولة لمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل، وذكرت الصحيفة البريطانية أن السلطات في طهران منقسمة في شأن كيفية الرد على اغتيال إسماعيل هنية، وتابعت أنه يصر كبار الجنرالات داخل “الحرس الثوري” على توجيه ضربة مباشرة إلى تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى مع التركيز على القواعد العسكرية لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، ولكن بزشكيان اقترح استهداف قواعد إسرائيلية سرية في الدول المجاورة لإيران.
وقال مساعدون مقربون من الرئيس الإيراني للصحيفة البريطانية إن “بزشكيان يخشى من أن أي هجوم مباشر على إسرائيل سيكون له عواقب وخيمة”، وبأن الرئيس “ذكر أنهم كانوا محظوظين لأن إيران لم تخض حرباً شاملة مع إسرائيل في المرة السابقة وربما لا هذه المرة”، في إشارة إلى هجوم الـ13 من أبريل (نيسان) الماضي عندما أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصواريخ على إسرائيل، وذلك رداً على استهداف قنصليتها لدى دمشق، والذي ذهب ضحيته سبعة من كبار قادة “الحرس”.