بقلم : هتاف دهام
لم يبقَّ الرئيس سعد الحريري بحصة «تآمر القوات وبعض أهل البيت»، عليه كما أوحى. فهو تراجع عن إطلالته بعد تمنيات سعودية عليه بالعدول عن الإطلالة وتفتيت البحصة الكبيرة. ولذلك قرّر الشيخ سعد الاكتفاء ببحص صغيرة «بقّها» أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري تجاه الوزير السابق أشرف ريفي، وتجاه معراب عندما طرح علامات استفهام كبيرة حول دورهما في مرحلة ما قبل الاستقالة. كل ذلك بمعزل عن أن كثيراً من القوى السياسية كان على أهبة الانتظار لـ «إطلالة الخميس» وما سيرافقها من إحراج القوات وحشرها في الزاوية.
لم تجد الأزمة التي انفجرت في علاقة تيار المستقبل – القوات اللبنانية طريقاً للمعالجة بعد، على خلفية استقالة الرئيس الحريري وما اعتبره التيار الأزرق تحريضاً «حكيمياً» قام به الدكتور سمير جعجع، أثناء زيارته الرياض، وما أطلقه من سيل مواقف تصعيدية سبقت خطوة الحريري عبر قناة العربية، خاصة في الإعلان المسبق وخارج السياق عن رغبة وزراء القوات في الاستقالة من الحكومة، وهو ما لم يفهمه «المستقبل» في حينه. في الوقت الذي اتضحت فيه خلفيات هذه المواقف مع انفجار أزمة 4 تشرين الثاني الماضي وما تلاها.
لكن، هل يكمن جوهر تأزم تيار المستقبل بالقوات في هذا السياق من التطورات أم أن له جذوراً أخرى؟
في حقيقة الأمر لقد بدأت أزمة الثقة في علاقة معراب بيت الوسط في مكان آخر. وهي ولدت جنيناً في رحم التفاهم المستجدّ بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر بعد التسوية الرئاسية الحكومية. فالرئيس الحريري والوزير جبران باسيل، كما يقول أحد الوزراء لـ «البناء» يسعيان إلى تحويل التفاهم تحالفاً متيناً يتوزّعان منافعه السياسية وغير السياسية، بدليل أن رئيس الحكومة كان يعمد، بحسب مصادر قواتية، إلى عدم إدراج بنود خدمية تتعلق بوزاراتهم على جدول أعمال مجلس الوزراء، فضلاً عن حجب الاعتمادات عن الوزارات التي يتولونها لمنعهم من تسيير شؤون وزاراتهم.
إن العلاقة الباسيلية – الحريرية تتناقض في الأصل مع موجبات تحالف مستقر بين الحكيم والشيخ سعد، خاصة أن تفاهم «الأزرق» – «البرتقالي» وجد له الترجمة المثالية في الملفات العديدة التي برزت في مجلس الوزراء وكانت موضع تصادم مع حزب القوات، مما يعني أن العلاقة بين المستقبل والقوات أعقد مما يظن البعض وأن إعادتها إلى مجاريها تستدعي جهداً مضاعفاً. فجعجع أوحى مراراً انزعاجه وامتعاضه من تقارب الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقد أعرب عن ذلك همساً وفي العلن. بيد أن التململ القواتي لن يبدل من قناعة الحريري المزيد من التقارب والتعاون مع التيار الوطني الحر.
يُفسّر ما سبق أن حركة الاتصالات التي حصلت مؤخراً والتي سعت إلى تسوية العلاقة بين الطرفين اصطدمت بطريق مسدود. فدردشة الحريري – الوزير ملحم الرياشي الذي اتصَل برئيس حزبه ناقلاً وجهة نظر رئيس الحكومة حيال الانزعاج من التعاطي القواتي، والمترافقة أصلاً مع قناة تواصل ثقافية إعلامية متمثلة بالوزير غطاس خوري نيابة عن بيت الوسط ورياشي عن معراب، لم تنفس أجواء التوتر والتشكيك. وتؤكد معلومات «المستقبل» أن لقاء الشيخ الحكيم ليس قريباً، فالأمور لا تزال على حالها، مع إشارة المصادر إلى أن العلاقة ستبقى في ثلاجة انتظار ما ستؤول إليه الاتصالات.
وتتقاطع معلومات «المستقبل» عن اللقاء المتوقع أن يكون بعيدا مع مصادر «القوات» التي تؤكد لـ«البناء» أن لا جديد، ولا تقدم على صعيد الاتصالات المفتوحة بينهما. فالتصرف الأخير للتيار الازرق بعدم إصداره بياناً ينفي ما نسب للحريري أنه «قدّم للقوات خدمة بعدم إخراج وزرائها من الحكومة» شكل نكسة جديدة ونقطة سوداء سلبية في أداء بيت الوسط تجاه معراب.