طرفا حرب السودان في اختبار إيصال المساعدات

1

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏طفل‏‏

حصلت أطراف الوساطة على تعهدات من الجيش و”الدعم السريع” بممرين آمنين وتجهيز ثالث

إسماعيل محمد علي صحافي سوداني

يجلس طفل على قمة تل يطل على مخيم للاجئين قرب الحدود بين تشاد والسودان (أرشيفية – رويترز)

ملخص
اختتمت مفاوضات جنيف باتفاق تعهد في ضوئه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فتح ممرين لإيصال المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب.

ينتظر أكثر من 20 مليون سوداني يعيشون أوضاعاً إنسانية في غاية الصعوبة والتعقيد في مناطق النزوح والصراع المتفجر بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 جراء انعدام الغذاء، وصول المساعدات الإنسانية بالسرعة المطلوبة في ضوء التعهدات التي حصل عليها الوسطاء الدوليون والإقليميون من الطرفين المتحاربين خلال المحادثات التي أجروها في جنيف على مدى 10 أيام لحل الأزمة السودانية، وذلك بتوفير ممرين آمنين بحدود السودان الغربية والشمالية لعبور هذه المساعدات لداخل البلاد.

وبالفعل استقبلت مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور أول من أمس الخميس وصول أول قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عبر معبر أدري الواقع على الحدود السودانية – التشادية بعد توقف دام ثمانية أشهر بحجة استغلاله من قبل “الدعم السريع” بإدخال الأسلحة والعتاد لقواتها.

وبحسب مدير الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية في ولاية غرب دارفور ضو البيت آدم يعقوب، فإن القافلة التي تضم عدداً من الشاحنات تحمل على متنها أكثر من 200 طن من المواد الغذائية لسد رمق 24390 أسرة في مناطق مورني وكرنك وأزرني بدارفور الأكثر احتياجاً وتضرراً من القتال، مما سيخفف من معاناتهم بسبب النقص الحاد في الغذاء.

لكن إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه التعهدات من طرفي الحرب من دون حدوث انتكاسة في ظل تصاعد القتال بينهما هذه الأيام على جبهات عدة تشمل مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، فضلاً عن دارفور وولاية الجزيرة؟

ناقوس خطر

يعلق المتخصص في الشؤون القانونية كمال محمد الأمين بقوله، “اختتمت مفاوضات جنيف باتفاق تعهد في ضوئه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فتح ممرين لإيصال المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب، خصوصاً أن ملايين السودانيين يعانون أشد المعاناة من شبح الجوع الذي دقت الأمم المتحدة ناقوس خطره من جراء استمرار الهجمات العشوائية من قبل الطرفين المتحاربين إضافة إلى القصف المدفعي المكثف الذي لا يفرق بين المناطق العسكرية والمدنية والقصف الجوي أيضاً”.

وأضاف الأمين، “الحقيقة أن الطرفين المتقاتلين يرتكبان انتهاكات يومية في حق المدنيين ولا أعتقد أنه في ظل استمرار هذه الحرب اللعينة يمكن أن تنجح عملية إيصال المساعدات الإنسانية، بخاصة أن القوتين المتحاربتين لا تمتلكان السيطرة الكاملة على قواتهما، كما أنه كلما استمرت هذه الحرب ستستمر معاناة الناس، ولا يوجد أي ضمانات لإيصال المساعدات، فجميعنا تابع وشاهد معاناة المدنيين الذين كانوا يعملون في هذا المجال وما تعرضوا له من اعتقال وقتل وحتى بعض موظفي الأمم المتحدة لم يسلموا من هذه الانتهاكات الفظيعة، فضلاً عما هو معروف بقيام القوات المتفلتة من الجانبين بالاستيلاء على المساعدات وبيعها في الأسواق جهاراً نهاراً”.

سودانيون فارون من العنف في غرب دارفور يعبرون الحدود إلى أدري (رويترز)

ومضى المتخصص في الشؤون القانونية قائلاً، “في تقديري أن هذا الموضوع يحتاج إلى قرارات شجاعة من المجتمع الدولي تتمثل في ضرورة فرض السلام على الطرفين، لأنه فعلياً بالنظر للتجارب السابقة من الصعب أن تكون هناك أي ضمانات تؤدي لإيصال المساعدات لمحتاجيها في مناطق النزاع والنزوح اعتماداً فقط على تعهدات والتزامات من الجانبين المتقاتلين، فلا بد من بذل جهد دولي أكبر لوقف هذه الحرب فوراً باعتباره الضمان الوحيد لوقف معاناة الشعب السوداني الذي يعيش أحلك الظروف وأمرها منذ نشأة بلاده”.

بادرة حسنة

في السياق، أوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن أن “مفاوضات جنيف لازمتها أخطاء كثيرة، ويبدو أن الدبلوماسية الأميركية بعدما أخفقت في تحقيق نجاحات دبلوماسية في هذه المحادثات بجلب الطرفين المتقاتلين إلى منضدة الحوار سعت إلى الخروج بأقل المكاسب السياسية، لأنه معلوم أن مدينة أدري التشادية مفتوحة مع ولاية غرب دارفور التي تسيطر عليها قوات (الدعم السريع) وأنه لا توجد أي عقبات في وصول المساعدات الإنسانية عبر هذا المعبر”.

وبين حسن أن “الحكومة التشادية ظلت تسمح بعبور هذه المساعدات من دون انتظار إذن من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، لكن المشكلة الحاصلة الآن هي أن الأمطار الغزيرة التي تشهدها المنطقة الحدودية بين السودان وتشاد جرفت الجسر الذي تعبر من خلاله قوافل الإغاثة الأمر الذي عطل سيرها إلى داخل الأراضي السودانية، لكن بصورة عامة فإن موافقة طرفي النزاع بفتح معبر أدري يمثل نوعاً من النجاح للدبلوماسية الأميركية وينصب في إبداء الجانبين المتحاربين (الجيش والدعم السريع) الرغبة على التعاون مع الولايات المتحدة وهو أمر جيد في حد ذاته”.


وتابع، “بحسب متابعاتنا لهذه القضية نجد أن اللاجئين السودانيين في أدري يؤكدون أنهم لم يتلقوا أي إغاثات من فترات طويلة، وبعض هؤلاء اللاجئين وصلوا إلى أدري خلال الأيام القليلة الماضية مما يعني أنه إذا كان هناك خطط مدروسة من قبل المعنيين بهذا الأمر لتم توزيع هذه المساعدات للفارين حديثاً والمحتاجين بصورة ملحة، أما النسبة إلى وصول الإغاثات عبر معبر الدبة الواقع في شمال البلاد فإن حكومة بورتسودان لا تمانع في الأساس من السماح بمرور المساعدات عبر هذا الممر، بل تحرص على دخولها عبر المناطق الخاضعة لسيطرتها، لكن السؤال الملح هو هل في ظل هذه الظروف ستصل المساعدات بالفعل للمستهدفين بها؟”.

وختم رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف “مع أن أي اتفاق بين الطرفين لتسهيل وصول الإغاثات يعد بادرة حسنة، لكن المحك في مدى التزام وصولها، ففي غير حرب السودان نجد الأطراف المتحاربة خلال الحرب تسمح بوصول الإغاثة والدواء للمدنيين، لكن في ظل الحرب السودانية الدائرة الآن لأكثر من عام ونصف العام لا نجد أي نوع من الاهتمام من قبل الطرفين بحياة المدنيين، كذلك من الملاحظ عدم صدور أي تدابير من جانب محادثات جنيف يتم اتخاذها في حال إخلال طرفي القتال بما اتفق عليه، بالتالي سيصبح التنفيذ في هذه الحالة خاضعاً لرغبة طرفيه”.

ولادة متعثرة

من جانبه، قال الكاتب السوداني الجميل الفاضل، إن “القبول الشكلي بانسياب المواد الإنسانية إلى النازحين والمناطق المھددة بالمجاعة عبر معبري أدري بغرب البلاد والدبة في شماله لا يعني بالضرورة التزام جدية طرفي الحرب بما أعلناه للوسطاء الدوليين في مفاوضات جنيف”.

وذكر الفاضل، “من الواضح أن موجة التصعيد وتكثيف الضربات الجوية لسلاح الطيران على مدن الضعين والطويشة وكبكابية بإقليم دارفور يعكس نيات تهدف إلى إفراغ إجراء فتح المعبرين لإدخال المساعدات الإنسانية من محتواه الحقيقي، بالتالي فإن شبح المجاعة والكارثة الإنسانية يظل قائماً في حال استمرار كل طرف التربص بالآخر ويتحين الفرص لإجهاض هذه الخطوة التي تم الوصول إليها عبر عملية ولادة متعثرة”.

ولفت إلى أن فقدان ثقة طرفي الحرب في بعضهما بعضاً لا يدعو إلى التفاؤل في شأن وضع هذه الالتزامات موضع التنفيذ الكامل والجدي.

ورأى الكاتب السوداني أن المنتصر الأول والأخير في محادثات جنيف شكلياً في الأقل هو “الحركة الإسلامية” عبر نجاحها في منع الجيش من الذهاب إلى جنيف وبتسخير استخباراته العسكرية في الانتقام من صناع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، من أحزاب ونقابات ثورية ولجان مقاومة، ولجان طوارئ وخلافه، وهو ما سينعكس سلبياً على تدفق المساعدات الإنسانية بسبب تصاعد القتال وكذا باستخدام سلاح الجو التابع للجيش في رمي حمم البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين الذين أطاحوا نظام الإسلام السياسي الذي امتدت سيطرته لأكثر من 30 عاماً.

رغبة صادقة

في غضون ذلك ثمن قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) الجهود المقدرة التي بذلتها مفاوضات جنيف في شأن وقف الحرب وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين وتعزيز حماية المدنيين.

وقال حميدتي في منشور له على منصة “إكس”، “لقد شارك وفدنا في مفاوضات جنيف برغبة صادقة وإرادة حقيقية من أجل التوصل إلى نتائج تسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية عن شعبنا الذي يواجه ظروفاً كارثية، لكن غياب وفد القوات المسلحة المختطف من قبل الحركة الإسلامية عن منبر التفاوض، أعاق كل الجهود التي بذلتها الوساطة، وسيكون سبباً في إطالة أمد الحرب ومضاعفة معاناة السودانيين، ولا ينبغي التسامح مع مثل هذه المواقف غير المبالية بحياة السودانيين وتطلعاتهم من أجل المستقبل”.

أطفال يحملون أواني في انتظار طعام يقدمه متطوعون في أم درمان (أرشيفية – رويترز)

وتابع، “إننا نؤكد التزامنا الكامل بتعهداتنا في اجتماع سويسرا وعلى رأسها الاستجابة لنظام الأخطار المبسط لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية، وبذل كل الجهد لتحقيق كل ما يخفف آثار هذه الكارثة على الشعب السوداني المكلوم بسبب هذه الحرب”.

خطر المجاعة

إلى ذلك رحبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بمخرجات اجتماعات جنيف الخاصة بتيسير وصول المساعدات الإنسانية بناء على التفاهمات التي تمت بين فريق الوساطة الدولية الساعي إلى إحلال السلام في السودان وقوات “الدعم السريع” والقوات المسلحة في ما يتعلق بفتح المعابر وحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة إلى جموع الشعب.

وحضت التنسيقية طرفي الصراع في السودان في بيان لها للبناء على ما تم خلال جولة محادثات جنيف وتعزيز الثقة باتخاذ خطوة شجاعة بوقف كامل لإطلاق النار والتزام وقف العدائيات من غير شروط لإعطاء المجال لإغاثة المنكوبين ومجابهة خطر المجاعة وشبح توسع الحرب.

وطالب البيان دول الوساطة والمجتمع الإقليمي والدولي للعمل بشكل متواصل لإغاثة السودانيين وعدم الركون إلى ما خلصت إليه محادثات جنيف الحالية إذ لا تزال هناك ضرورة للوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار ووقف كامل للعدائيات مصحوبة بترتيبات أمنية وسياسية لإنهاء حالة الاحتراب.

ممران آمنان

كان وسطاء بقيادة الولايات المتحدة حصلوا على ضمانات من الطرفين المتحاربين في السودان خلال محادثات في جنيف بتحسين وصول المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المحادثات أعاق التقدم.

وعلى مدى 10 أيام من المحادثات، حاولت مجموعة جديدة تضم وسطاء من السعودية ومصر والإمارات التفاوض على زيادة المساعدات وتوفير الحماية للمدنيين الذين يواجهون المجاعة والنزوح الجماعي وانتشار الأمراض بعد 16 شهراً من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.

ووافق الجيش و”الدعم السريع” في السودان على توفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما منذ نحو عام ونصف العام، وذلك في بيان ختامي صدر أمس الجمعة بعد محادثات في سويسرا.

وأكدت دول الوساطة في البيان أنها استحصلت “على ضمانات من طرفي النزاع لتوفير نفاذ آمن ومن دون عراقيل عبر شريانين رئيسين، هما الحدود الغربية عبر معبر أدري في (إقليم) دارفور، وطريق الدبة التي تتيح الوصول إلى الشمال والغرب من بورتسودان”. مشددة على أن “الغذاء والجوع لا يمكن استخدامهما سلاحاً في الحرب”.

وأكد البيان الختامي للمحادثات أن “شاحنات المساعدات في طريقها لتأمين مساعدات لمواجهة الجوع في مخيم زمزم وأجزاء أخرى من دارفور”، مشدداً على ضرورة أن “تبقى الطرق مفتوحة وآمنة لنتمكن من إدخال المساعدات إلى دارفور ونبدأ بتحويل مجرى الأمور ضد المجاعة”. وشدد الوسطاء في بيانهم على مواصلة “تحقيق تقدم” بغرض فتح ممر آمن ثالث للمساعدات عبر سنار في جنوب شرقي البلاد. 

التعليقات معطلة.