تعيين حاكم عسكري إسرائيلي لغزة ينذر بسيطرة طويلة الأمد

1

قد تكون صورة ‏‏‏١٠‏ أشخاص‏ و‏شارع‏‏

بعضهم يعتبر أن تل أبيب تحاول منح قواتها شرعية دولية لمواصلة الحرب تحت ذريعة التعامل مع الأزمات الإنسانية

عز الدين أبو عيشة مراسل

استحداث منصب جديد في الجيش الإسرائيلي تحت مسمى “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة” يعيد خلط الأوراق (أ ف ب)

ملخص
تكلف هذه الخطوة نحو 10 مليارات دولار سنوياً وستكون هناك أعباء إضافية منها تجنيد شبه دائم لقوات الاحتياط وإرسال خمس فرق عسكرية للعمل باستمرار داخل القطاع

في أكثر من مناسبة تحدث فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطته لليوم التالي من حرب غزة وقال “يجب أن تدير غزة بعد الحرب إدارة مدنية تقبل تل أبيب، ولن أسمح للسلطة الفلسطينية ولا لـ ‘حماس’ بأن يحكما القطاع”.

خطوة جديدة

وتطبيقاً لرؤية نتنياهو حول اليوم التالي للحرب استحدث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي منصباً جديداً يحمل اسم “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة”، وعين العميد إلعاد غورين في المنصب، وبسرعة اعتمد وزير الدفاع يوآف غالانت القرار الذي حظي بموافقة نتنياهو.

ويعد تعيين إلعاد غورين خطوة جديدة في مسار الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وهو الأول من نوعه، وجاء بعد أيام من إعلان الجيش انتهاء عملياته العسكرية الكبرى في القطاع، ويأتي استكمالاً لخطوات تل أبيب في تثبيت سيطرتها على غزة، وذلك ضمن السعي لتحقيق أهداف الحرب التي حددتها حكومة نتنياهو وحلفاؤه.

حاكم عسكري أو إدارة مدنية

ويعيد استحداث منصب جديد في الجيش الإسرائيلي تحت عنوان “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة” خلط الأوراق، إذ يحمل المسمى الوظيفي هذا مهمات مدنية ويعد خطوة لتأسيس إدارة مدنية في القطاع بدلاً من السلطات الفلسطينية سواء كانت حكومة “حماس” أو السلطة الفلسطينية.

لكن وجود غورين وإدارته الجديدة ضمن هيكليات الجيش الإسرائيلي يوحي بأن هذا الضابط هو الحاكم العسكري لغزة، وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية وصف بأنه “قائد غزة” الجديد، وله مهمات عسكرية ومدنية في الوقت نفسه.

وبحسب قرار التعيين فإن منصب “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة” يوازي منصب “رئيس الإدارة المدنية التابعة للسلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية”، وهذا يعني أن غورين سيتولى مهمة إدارة الإدارة المدنية التابعة لإسرائيل في القطاع.

سيطرة طويلة ورؤية اليوم التالي

وتقول أستاذة العلوم السياسية أماني القرم إن “هذه الخطوة تشير إلى استعداد إسرائيل لاحتلال طويل الأمد في القطاع، ومحاولة تطبيق رؤية استراتيجية واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية لما يعرف باليوم التالي لما بعد الحرب في غزة”.

وتضيف، “اختيار منسق للإدارة المدنية في غزة من الجيش الإسرائيلي يعني أن إدراك الجيش أن المسؤولية الإسرائيلية عن الجوانب الحياتية اليومية في غزة ستتواصل، بل ستزداد خلال الأعوام المقبلة وسيبقى نحو مليوني فلسطيني تحت مسؤولية تل أبيب”.

وتوضح القرم أن اختيار مسمى “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة” اختاره الجيش بعناية فائقة، مما يعني أن إسرائيل تحاول منح قواتها شرعية دولية لمواصلة الحرب تحت ذريعة التعامل مع الأزمات الإنسانية.

ماذا تعني الإدارة الإسرائيلية المدنية للمناطق الفلسطينية؟

بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 قررت تل أبيب أن تبقى تلك المناطق الفلسطينية تحت إدارتها العسكرية، وفي عام 1981 أسست جهاز الإدارة المدنية وفيه قسمان منفصلان، واحد لقطاع غزة والآخر للضفة الغربية، بهدف الاهتمام بالشؤون اليومية للسكان المحليين في هاتين المنطقتين.

وفي إسرائيل اتفق على أن يكون رئيس الإدارة المدنية خاضعاً لسلطة “منسق الأعمال في المناطق”، وهذا الأخير يكون خاضعاً بدوره لسلطة وزير الدفاع، ويقوم مسؤول الإدارة المدنية بكل الصلاحيات المدنية، وعلى رغم أن العمل مدني إلا أنه بقي للمستوى العسكري دوره الفعال في تحديد خطوط السياسة اليومية.

وتتولى الإدارة المدنية مهمات مختلفة منها التجارة والمواصلات والصناعة والتوظيف والخدمات مثل التربية والتعليم والداخلية والرفاه الاجتماعي والصحة، والأملاك مثل ضم الأراضي العامة والثروات الطبيعية وأملاك الغائبين، ومن المهمات أيضاً إصدار تصاريح العمل وأصحاب رؤوس الأموال ومتابعة مناحي حياة الفلسطينيين.

اقرأ المزيد

تلاميذ غزة: دروع بشرية لإسرائيل بلا ملابس تحت تهديد السلاح

اقتطاع ملايين من الأموال الفلسطينية لمتضرري إسرائيل يفاقم نزيف الحرب

المخيمات الفلسطينية… عش الدبابير وأرق إسرائيل الدائم
نقل التجربة

ومع تأسيس السلطة الفلسطينية انتقلت مهمات الإدارة المدنية إلى الوزارات والهيئات الفلسطينية، وكان المخطط أن يتم حل الإدارة المدنية الإسرائيلية ولكن لم يحدث ذلك وبقي لها بعض الصلاحيات السيادية مثل “تسجيل الفلسطينيين وإصدار بطاقات الهوية ورخص القيادة وإصدار الأوامر والبيانات العسكرية”.

وتوضح الباحثة السياسية أماني القرم أن الإدارة المدنية في المناطق الفلسطينية، والتي تعرف باسم “المنسق”، تعمل على تطبيق سياسة التدجين الاقتصادي والاختراق الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية وفق الخطط الإسرائيلية.

وتشير إلى أن إسرائيل تراهن على إيجاد مسمى “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في غزة” لتكرار تجربة الإدارة المدنية في الضفة الغربية، بصورة تهندس لليوم التالي لحرب القطاع، وتلغي دور السلطات الفلسطينية في غزة.

صلاحيات الإدارة المدنية في غزة

وبالفعل ذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) أن إلعاد غورين سيتولى إدارة الجوانب الإنسانية وتنسيق القضايا المدنية، بما في ذلك متابعة عودة النازحين ومشاريع إعادة البناء في قطاع غزة، أي أنه سوف يقوم بمهمة قائد عسكري ومدير مدني.

يقول غورين إنه “على المدى الطويل وعلى جدول الأعمال فمن المحتمل عودة النازحين بصورة منظمة إلى مدينة غزة، وأيضاً ستكون هناك بداية قريبة لمشاريع إعادة الإعمار والاستعداد لفصل الشتاء في القطاع، دور إسرائيل في غزة سيستمر لأعوام”.

ويضيف، “سأتابع تنسيق العمل الإنساني في قطاع غزة مع المجتمع الدولي، ومن يعتقد أن السيطرة والتدخل الإسرائيليين في قطاع غزة سينتهيان قريباً فهو مخطئ، فغزة ستشغل إسرائيل كثيراً خلال الفترة المقبلة، وستكون المهمة هي الاستمرار في إعطاء متنفس للقوات الإسرائيلية للقتال من أجل تحقيق أهداف الحرب مع خفض الانتقادات الدولية ضد إسرائيل”.

وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” فإنه من ضمن مهمات “قائد غزة” رئاسة مديرية التنسيق والارتباط في القطاع، والتعامل مع القضايا التكتيكية اليومية مثل إيصال المساعدات الإنسانية في المعابر والطرق في القطاع، وإصلاح البنية التحتية المحلية المدمرة، وهذا يعني إعطاء الجيش شرعية دولية لمواصلة الحرب على غزة من دون أن تتأثر الجوانب الإنسانية كحدوث مجاعة أو أزمة إنسانية.

ماذا عن حكم الفلسطينيين أنفسهم؟

ويفتح قرار تعيين حاكم عسكري لغزة باب التساؤلات أمام فرص عودة حركة “حماس” أو حتى السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، بخاصة في ظل تأكيد الإدارة الأميركية رفضها احتلال إسرائيل للقطاع وتأكيدها على حكم الفلسطينيين لأنفسهم.

وتقول أستاذة العلوم السياسية القرم إن “نتنياهو كان واضحاً في الكشف عن خططه المتعلقة بغزة، وقرار تعيين حاكم عسكري يأتي في إطار خطة اليوم التالي التي وضعها نتنياهو والتي تتمركز حول إعادة احتلال غزة في الأقل خلال الفترة المقبلة”.

وتضيف، “يحقق نتنياهو هدفين، الأول إنهاء حكم ‘حماس’ على أرض الواقع واستحالة عودة السلطة الفلسطينية، والثاني التحكم في جميع تفاصيل الحياة المدنية الضرورية لسكان غزة، وهذا بمثابة إطلاق الرصاصة الأخيرة على اتفاقات السلام مع منظمة التحرير”.

لكن الباحث السياسي محمد زيدان يقول إن “إسرائيل هدفها اقتلاع ما تسميه الإرهاب، ولهذا فإنها ذاهبة إلى تقسيم إداري وعسكري لقطاع غزة، لكن كل الأطراف الفاعلة ترفض هذا المخطط الإسرائيلي، سواء المجتمع الدولي أو الإقليمي أو الفصائل الفلسطينية نفسها”.

موقف “حماس” و”فتح”

ورفضت الفصائل الفلسطينية بصورة قاطعة أي وجود إسرائيلي في غزة وتعهدت بالتصدي لهذه الخطوة، ويقول المتحدث باسم “حركة فتح” حسين حمايل إن “الهدف من الإدارة المدنية الإسرائيلية في غزة استدامة الحرب واحتلال دائم للقطاع، ولكن هذا لن يحدث وستذهب السلطة الفلسطينية للقطاع وتديره”.

أما رئيس مكتب العلاقات الوطنية في “حماس” حسام بدران فيقول إن “موقفنا من موضوع اليوم التالي للحرب ثابت، ونرفض أية قوة خارجية، وترتيب الوضع الفلسطيني في غزة والضفة شأن فلسطيني مبني على التوافق الوطني”.

هل المجتمع الإسرائيلي مؤيد؟

أما في إسرائيل فعارض المسؤولون الأمنيون فرض حكم عسكري على قطاع غزة، وقالت “كان” إن هذا الأمر سيكلف نحو 10 مليارات دولار سنوياً، وستكون هناك أعباء إضافية ومنها تجنيد شبه دائم لقوات الاحتياط وإرسال خمس فرق عسكرية للعمل باستمرار داخل القطاع.

ويقول الوزير المستقيل من مجلس الحرب غادي آيزنكوت إن “خطة نتنياهو الخفية هي احتلال غزة وفرض حكم عسكري عليه، والحكومة المتطرفة تقود البلاد لسياسة تتعارض مع أهداف الحرب، ونحن لا تؤيد السيطرة على القطاع”.

التعليقات معطلة.