مقالات

{اسباب ودواعي القمع المفرط للتضاهرات}


القمع المفرط للتظاهرات في العراق هل يشكل الخشية من عودة الغضب الشعبي على غرار ثورة تشرين؟

شهد العراق في الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في قمع التظاهرات الشعبية، وهو ما يعيد إلى الأذهان الأحداث الدامية التي رافقت ثورة تشرين في عام 2019. يبدو أن السلطات العراقية تتبنى مجددًا نهجًا صارمًا في مواجهة الاحتجاجات، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا القمع المفرط وما إذا كان يعود إلى خشية حقيقية من عودة موجات غضب شعبي شبيهة بتلك التي أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.

القمع: أداة السيطرة والاحتواء
منذ سقوط نظام صدام حسين، أصبح القمع أحد الأدوات الرئيسية التي تستخدمها السلطات العراقية في التعامل مع التظاهرات الشعبية. وتبرر الحكومة القمع عادة بحماية الأمن العام ومنع الفوضى، لكن الواقع يشير إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بشكل أساسي كبح جماح التحركات الشعبية ومنعها من اكتساب زخم شعبي كبير قد يهدد استقرار النظام السياسي القائم.
الخشية من عودة “ثورة تشرين”
أحد الأسباب الرئيسية للقمع المفرط قد يكون الخوف المتزايد لدى السلطة من تكرار سيناريو “ثورة تشرين”. هذه الثورة، التي اندلعت في 2019، والتي شكلت ايقونة الكفاح الشعبي العراقي وكانت واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية في تاريخ العراق الحديث، وأظهرت قوة الشارع العراقي وقدرته على إسقاط الحكومات. ومع صعود موجة جديدة من الاحتجاجات، قد تشعر الحكومة بأنها في مواجهة تهديد مشابه يفرض عليها التعامل بحزم مفرط لمنع تكرار السيناريو.
التظاهرات الحالية: شرارة أخرى؟
التظاهرات الأخيرة، سواء تلك التي شهدتها بغداد أو الناصرية، تعبر عن استمرار الاستياء الشعبي من الحكومة العراقية وسياساتها. ومع ذلك، فإن هذا الاستياء يتجذر بشكل أعمق في سوء الخدمات، البطالة، والفساد المستشري. إذا نجحت هذه التظاهرات في تجميع شرائح واسعة من المجتمع حول مطالب موحدة، فإن ذلك قد يعيد إحياء مشهد تشرين الذي يثير القلق في دوائر السلطة.

المخاوف الأمنية والسياسية
القمع المفرط قد يعكس أيضًا قلق الحكومة العراقية من عدم قدرتها على السيطرة على الوضع الأمني في البلاد في حال توسعت الاحتجاجات. السلطات ترى في هذه الاحتجاجات تهديدًا للاستقرار السياسي، خاصة في ظل التدخلات الخارجية والصراعات الإقليمية التي تزيد من تعقيد المشهد. هذا القلق يجعل الحكومة تعتمد على القوة المفرطة لمنع أي تحركات شعبية قد تؤدي إلى اضطرابات سياسية أكبر، خاصة مع ضعف المؤسسات الأمنية وانتشار الميليشيات المسلحة.

الضغط الإيراني وتأثيره على الحكومة العراقية
لا يمكن تجاهل التأثير الإيراني في العراق، خاصة في ظل وجود أحزاب وميليشيات قوية تدين بالولاء لإيران. إيران، التي تخشى من تكرار اضطرابات تشرين، تدرك أن احتجاجات واسعة النطاق قد تهدد نفوذها في العراق. لهذا، قد تكون ضغوطها على الحكومة العراقية سببًا إضافيًا وراء استخدام القوة المفرطة لقمع التظاهرات. الهدف هنا هو ضمان عدم خروج الأوضاع عن السيطرة بما يضر بمصالح طهران في البلاد.

مستقبل الحكومة ومصير السوداني
القمع المفرط قد يكون انعكاسًا أيضًا للصراعات الداخلية في المشهد السياسي العراقي. حكومة محمد شياع السوداني تواجه تحديات متعددة، ليس فقط من الشارع العراقي، ولكن أيضًا من داخل التحالفات السياسية التي دعمته للوصول إلى السلطة. القوى السياسية التي تدعم السوداني تدرك أن استمرار الاحتجاجات قد يؤدي إلى انهيار الحكومة على غرار ما حدث مع عادل عبد المهدي، وهو ما يجعلها تتبنى سياسات قمعية لتجنب تلك النهاية.

احتمالية التغيير السياسي:

هل سيلاقي السوداني مصير عبد المهدي؟
يبدو أن القمع المفرط للتظاهرات في العراق ينبع من خشية السلطات من تكرار تجربة “ثورة تشرين” وما صاحبها من غضب شعبي عارم أطاح بالحكومة السابقة. الحكومة العراقية، مدعومة بميليشيات وقوى سياسية تابعة لإيران، تسعى لمنع هذه الاحتجاجات من التحول إلى حركة واسعة تهدد النظام السياسي القائم. إلا أن استمرار هذا النهج القمعي قد يزيد من حالة الاستياء الشعبي ويؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن تتصاعد الاحتجاجات وتتحول إلى موجة جديدة من الغضب الشعبي قد يصعب على الحكومة السيطرة عليها.

ما يضع مستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في موقف صعب، لا سيما مع شجب بعض نواب الإطار التنسيقي لحالة القمع. هذا الشجب قد يؤشر إلى وجود رغبة داخلية مدفوعة إيرانيًا لتغيير السوداني، وقد تكون القوى السياسية تسعى للتمهيد لرئيس وزراء جديد أكثر توافقًا مع مصالح إيران، مثل محسن المندلاوي الذي يُشاع أنه البديل الجاهز.

الواقع السياسي العراقي متغير وغير مستقر، ومع تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية، قد يجد السوداني نفسه أمام خيارين: إما إجراء إصلاحات حقيقية وتهدئة الأوضاع، أو مواجهة مصير مشابه لعادل عبد المهدي، حيث تسعى القوى السياسية لاستبداله بشخصية جديدة تتناسب مع المعطيات الإقليمية والدولية .