قبور بلا شواهد ولا أسماء… هكذا “يُغسل العار” في جنوب العراق

1

قد تكون صورة ‏‏شخصين‏ و‏نص‏‏

المصدر: النهار العربي

بغداد–محمد الجبوري

ناشطات عراقيات يرفعن لافتات منددة بالعنف ضد المرأة (ا ف ب)

الواقعة مأساوية… اقتيدت فتاة أمام أسرتها، مكبّلة اليدين ومعصوبة العينين، إلى الإيشان، أي المكان العالي المحاط بالماء أو التلال بمحافظة ذي قار في جنوب العراق، ثم قُتلت هناك ودُفنت من دون أي أثر لقبرها.

هكذا يروي أحمد الناصري، الناشط العراقي في مجال حقوق الإنسان وأحد سكان المحافظة، لـ”النهار العربي”، حكاية فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، اتهمتها عائلتها في نهاية العام 2023 بـ”إقامة علاقة غير شرعية مع شاب تحبه. فكان أن اقتادها أبوها وعمها ليلاً إلى تلك التلال، وقتلاها هناك خنقاً أو ذبحاً أو رمياً بالرصاص، ودفناها بلا علامة أو أثر”.

مقابر جديدة

ويضيف الناصري: “كانت تلال إيشان مكاناً يُدفن فيه أطفالٌ حديثو الولادة. اليوم، فيها عشرات المقابر لنسوة دُفنَّ بلا شواهد ولا أسماء، والحجّة دائماً صون الشرف وغسل العار بعد اتهامهن بالزنا”. ووفقاً للتقاليد القبلية السائدة هناك، لا تستحق تلك النساء الدفن في “مقبرة وادي السلام” المقدّسة عند الطائفة الشيعية، ولا يستحقنّ الزيارة.

وبحسب الناصري، قتلت في العام الجاري أكثر من 7 فتيات بجرائم شرف في ذي قار وحدها، لكن “في زيارتي الأخيرة للمدافن السرّية هناك، رأيت آثاراً لمقابر جديدة، لا أعرف إن كانت لفتاة أو لطفل؟”، لافتاً إلى أنّ أمهات مفجوعات يزرن سرّاً بناتهن المقتولات والمدفونات هناك، خوفاً من غضب الرجال.

بدورها، تقول الحقوقية الدكتورة خيال الجواهري لـ”النهار العربي” إن ملف جرائم غسل العار يُقلق المجتمع المدني في العراق ومنظمات الدفاع عن حقوق المرأة، على الرغم من حملات التوعية والندوات التي تُعقد بين الحين والآخر، فـ”قتل الفتاة اليوم صار سهلاً في البلاد بسبب هيمنة العشيرة وتقاليدها على المجتمع، حتى صارت المرأة في بعض المناطق شيئاً بلا قيمة، وبسبب غياب قانون يحمي المرأة من العنف الأسري المستفحل”.

منتحرات كثيرات

وتقضي المادة 409 في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بالحبس بمدة لا تزيد على ثلاث سنوات كلّ “من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبّسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال، أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما، اعتداءً أفضى إلى الموت أو عاهة مستديمة”.

وتضيف الجواهري: “مقابر ذي قار السرّية لدفن النساء ليست الوحيدة في العراق، فهناك مدافن سرّية في جميع المحافظات، ربما تكون بلا أثر، لكنها تحمل أثراً كبيراً لظلم كبير تتعرّض له فتاة تُقتل لأنها أفصحت عن مشاعرها”.

وتطالب منظمات المجتمع المدني ومراكز حقوق الإنسان في العراق، بضرورة تكثيف الحملات التوعوية بظاهرة جرائم الشرف، مؤكّدةً أن الكثير من هذه الجرائم تُسجّل “انتحاراً” ويُغلق ملفها القضائي ليطويها النسيان، على الرغم من علم السلطات الأمنية بالوقائع. وتقول: “سجّلت محافظة ذي قار في العام الجاري نسبة عالية من المنتحرات”. 

التعليقات معطلة.