المصدر: النهار العربي سركيس قصارجيان أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم زيارة لتركيا طال انتظارها، هدفت الى طي صفحة التوتر في العلاقات بين البلدين. وتعتبر هذه الزيارة الأولى على مستوى الرئاسة المصرية إلى تركيا منذ 12 عاماً.واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري بحفاوة في قصر الرئاسة. وفي أوّل تصريح له، قال الرئيس السيسي: “زيارتي اليوم وزيارة السيد الرئيس أردوغان السابقة إلى القاهرة تعكسان إرادة بدء صداقة وتعاون جديد بين البلدين”.بدأ كلا الرئيسين كلمتهما في المؤتمر الصحافي المشترك بالتركيز على ملف الاقتصاد وأهمية التعاون والعمل المشترك بالنسبة للشعبين التركي والمصري وشعوب المنطقة، كما شهدت الزيارة التاريخية للرئيس المصري، برفقة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين، أول اجتماع لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.ووقّع الجانبان، في نهاية الاجتماع، 17 اتفاقية شملت كافة المجالات بدءاً من الطاقة والقطاع المالي والاقتصادي، مروراً بالصناعة واقامة المناطق الصناعية في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، ومذكرة تفاهم لحماية المنافسة، بالإضافة إلى مذكرات في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، والنقل وتطوير التعاون قطاع السكك الحديدية والطيران المدني، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتعاون العلمي والاقتصادي والتقني في قطاع الزراعة والصحة، وإدارة تطوير ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والثقافة والسياحة والبيئة والخارجية.وشدد أردوغان في كلمته على عزم البلدين رفع حجم التجارة الثنائية إلى 15 مليار دولار خلال 5 سنوات، وهو ما تم الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس التركي للقاهرة في 14 شباط (فبراير)، إلى جانب الإعلان عن توسيع نطاق الاتفاقية التجارية الحرة المشتركة، وإعادة تشغيل الرحلات البحرية بين مرسين والإسكندرية.وتبحث أنقرة عن تعاون ثنائي مع القاهرة في مجال الطاقة، وخصوصاً أن حقول الغاز المكتشفة اخيراً في مصر جعلها لاعباً مهماً في الجغرافيا السياسية للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتصدّر مصر 22% من غازها الطبيعي المسال إلى تركيا، بالتزامن مع سعي أنقرة إلى زيادة سعة تخزين الغاز الطبيعي المسال في إطار هدفها للتحوّل إلى مركز للطاقة.أسفر انضمام القاهرة إلى منصة التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل واليونان وقبرص عن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي يتّخذ من القاهرة مقرّاً له، ويضم بين أعضائه الأردن، والسلطة الفلسطينية، وإيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة كأعضاء مراقبين، وهو ما دفع بأنقرة إلى دقّ ناقوس الخطر، خصوصاً وأن غالبية أعضاء المنصة كانوا على خلاف معها، مما أثار في أنقرة تصوراً بتشكيل محور اقتصادي معادٍ لها، فكان إصلاح العلاقات مع مصر مهمّاً لتبديد هذه المخاوف.وتشرح الصحافية التركية الخبيرة بسياسات الشرق الأوسط، هدية ليفينت، في حديثها إلى “النهار” أن “تركيا فقدت إلى حد كبير قوتها في المنطقة بسبب سياساتها في الشرق الأوسط التي انتهجتها منذ عام 2011. العلاقات بين أنقرة والقاهرة تدهورت بشكل أكبر خلال فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب دعم أنقرة الواضح لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ومع ذلك، خلال فترة تدهور العلاقات بين أنقرة والقاهرة، حدثت تطورات عديدة في المنطقة”.تقول ليفينت إن “العديد من دول المنطقة بما في ذلك السعودية والإمارات والعراق تعمل اليوم على مشاريع خطوط التجارة والطاقة التي تمر عبر تركيا للوصول إلى أوروبا. وترغب أنقرة في تحسين علاقاتها مع جميع الدول في المنطقة، بما في ذلك مصر، لاستعادة قوتها التي فقدتها والتغلّب على الأزمة الاقتصادية العميقة في البلاد”.وتُعد تركيا رابع أكبر شريك تجاري لمصر، حيث شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تسارعاً ملحوظاً، وتجاوز حجم التجارة المتبادلة بينهما 10 مليارات دولار.ويُعتبر قطاع النسيج التركي من القطاعات التي انتقلت إلى مصر، وذلك بسبب المزايا التي توفرها مصر للمستثمرين الأتراك، مثل العمالة الرخيصة مقارنةً بتركيا وفرص التصدير إلى أسواق متنوعة. وفي هذا السياق، أعلن رئيس اتحاد عمال الغزل والنسيج رافي آي أن عدد المصانع التركية التي انتقلت إلى مصر هرباً من ظروف الإنتاج السيئة في تركيا بلغ 130 مصنعاً في عام 2023، مما أدى إلى فقدان 90 ألف عامل تركي لوظائفهم.ويشرح الصحفي المصري المتخصص بالسياسات الدولية، حامد فتحي، في حديثه إلى “النهار ” أن “البلدين غير منتجين للطاقة ولا يمتلكان احتياطات نفطية كبيرة، وبالتالي فهما مجبران على العمل سوية والسعي لزيادة الانتاج للتغلّب على أزمتهما الاقتصادية، وهو ما يجمعهما إلى حد كبير اليوم”.غزةمن خلال إقامة علاقات جيدة مع الدول الإقليمية، بما في ذلك مصر، تسعى أنقرة إلى أن تكون لاعباً في قضايا المنطقة المعقّدة، وعلى رأسها الملف الفلسطيني، وتعميق نفوذها من خلال الدبلوماسية.وانطلقت جهود المصالحة بين البلدين من إدراكهما بضرورة التعاون في القضايا الإقليمية، سواء في شرق البحر الأبيض المتوسط، أو المسائل المتعلّقة بليبيا وسوريا، والآن أضيفت غزة إلى هذه القضايا، خصوصاً في ظل المساعي الإسرائيلية إلى التصعيد مقابل رغبة إقليمية جامعة للجنوح نحو التهدئة وإعطاء الاولوية للمشاريع الاقتصادية.وزادت أهمية مصر بالنسبة إلى تركيا منذ اندلاع الحرب في غزة، بالتزامن مع تدهور علاقات أنقرة مع إسرائيل، مما جعل مصر ممراً حيوياً لتركيا لإيصال المساعدات إلى غزة، حيث أرسلت تركيا 7 سفن إلى ميناء العريش المصري.وتعتبر مصر دولة محورية بالنسبة لأنقرة التي لم تتمكن من لعب الدور الذي كانت تأمله في غزة. فرغم مشاركتها في جهود خفض التوتر والمفاوضات لتبادل الرهائن ووقف إطلاق النار، إلا أن التطورات أظهرت لتركيا العقبات الكبيرة التي تواجهها في الملف، إلى جانب المخاوف العربية من دور تركي محوري في الإقليم.وتحاول أنقرة مواجهة إسرائيل من خلال تعاون إقليمي، وتأتي مصر في مقدمة الدول القادرة على اداء مثل هذا الدور بالشراكة مع تركيا، وهو ما عبّرت عنه من خلال إظهار تضامنها مع القاهرة ضد الاتّهامات الإسرائيلية.ويمنح التعاون مع مصر أنقرة، إمكانية تعويض استبعادها من المفاوضات الدبلوماسية بشأن غزة، خصوصاً وأن البلدين يتشاركان بوجهات نظر متشابهة إلى حد كبير في المسألة الفلسطينية.يقول فتحي إن “ملف الإخوان المسلمين الذي كان المشكلة الرئيسية بين البلدين تراجع إلى حد كبير. لم يعد الأخوان المسلمون ورقة رابحة لأحد في المنطقة، جميع المشاريع والرؤى التي بنيت وكانوا طرفاً فيها تم تجاوزها على أرض الواقع. البلدان بينهما ملفات مشتركة ومهمة كالعمل في ليبيا والسودان والصومال والعمل على تهدئة الأوضاع في المنطقة ككل ومواجهة التصعيد الإسرائيلي”.ليبيافي النزاع الداخلي الليبي، كانت تركيا ومصر ولا تزالان في جانبين متعارضين، لكن أنقرة كثّفت مؤخّراً من اتصالاتها مع حكومة بنغازي التي تدعمها القاهرة والدول الإقليمية، وأكّدت نيّتها بإعادة فتح قنصليّتها في بنغازي، ما يُفسر على أنه تغيير في سياستها تجاه ليبيا المتوّجهة نحو التهدئة بشكل أكبر.كما يمكن اعتبار طلب تأجيل المشاورات بين ممثلي مجلس النوّاب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا بشأن إدارة المصرف المركزي في البلاد مرتبطاً بشكل مباشر بزيارة الرئيس السيسي إلى تركيا.وتؤكد ليفينت أن “التفاهم المصري التركي حول أزمة المركزي الليبي سيكون له تأثير كبيرعلى تحسين الوضع المالي للبلاد، وبداية لانهاء الانقسامات المؤسساتية إلى حين الوصول إلى حل دبلوماسي”.كما تسعى تركيا إلى فتح آفاق دبلوماسية واقتصادية جديدة في القارة السمراء، وهي تأمل من خلال تعاونها مع مصر الاستفادة من نفوذ وتأثير القاهرة في المنطقة بشكل عام، والقرن الإفريقي خصوصاً.وختم فتحي بأنه “لن تكون هناك ثقة كبيرة بين القاهرة وأنقرة، ولكن البلدين يسعيان إلى ذلك منذ خمس سنوات أو أكثر. هناك ملفات عالقة بينهما مثل ملف الأخوان المسلمين، لكن الأزمات لا تحلّ بين يوم وليلة والبلدان قطعا الكثير. القضايا الشائكة لم يعد فيها جديد كحالة ليبيا مثلا، بالمقابل هناك صراعات أخرى تتجدد كما حالة الصومال، والحرب في غزة. الأزمات الدولية بشكل عام، والتحدّيات الاقتصاية تدفع البلدان على إعادة بناء الثقة، ولكن ليس هناك ثقة مطلقة في العلاقات الدولية وليس هناك شك مطلق”.
التعليقات معطلة.