مقالات

{العفو العام اسير المفاخذة وزواج القاصرات}

حسن فليح /محلل سياسي

العراق يشهد اليوم جدلاً حادًا حول تشريعات وقوانين تمس القيم الإنسانية والأخلاقية، حيث تتصدر الساحة مسألتان خطيرتان: “العفو العام” المقترن بقضايا شائكة مثل المفاخذة وزواج القاصرات. هذه القضايا ليست مجرد تشريعات قانونية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بالصراع بين التشريعات الدينية المتطرفة وحقوق الإنسان.

المفاخذة وزواج القاصرات:

في مجتمع تحكمه قيم القبيلة والدين، يظهر تشريع المفاخذة وزواج القاصرات كإهانة للإنسانية. حيث يسعى البعض لتبرير هذه الممارسات تحت غطاء ديني، متجاهلين الآثار النفسية والجسدية المدمرة على الأطفال، خصوصًا الفتيات. هذه الممارسات لا تمثل فقط انتهاكًا لحقوق الطفل، بل تعيد المجتمع إلى عصور الظلام، حيث كانت المرأة تُعامل كسلعة تُباع وتُشترى.

العفو العام:

في خضم هذه الفوضى التشريعية، يبرز العفو العام كأداة سياسية يُراد بها إضفاء الشرعية على أفعال لا يمكن تبريرها أخلاقيًا أو إنسانيًا. يُطرح العفو العام كجزء من صفقة سياسية هدفها إرضاء تيارات معينة على حساب القيم الإنسانية. فكيف يمكن للمجتمع أن يقبل بإعفاء من يرتكب جرائم ضد الطفولة باسم الدين والقانون؟
تثير هذه القضية تناقضات في التشريعات والأنظمة القانونية، حيث تظهر تضاربًا بين القوانين التي تهدف إلى حماية الأطفال والنساء، مثل قوانين حماية القاصرين من الاعتداء والإيذاء، وبين القوانين التي تسمح بممارسات مثل زواج القاصرات أو تعتبر “المفاخذة” جزءًا من تقاليد أو أعراف اجتماعية.

تعتبر مسألة العفو العام معقدة، خاصة عندما تُستثنى فئات معينة من الأشخاص المحكوم عليهم بسبب الجرائم المتعلقة باستغلال القاصرات. هذا التناقض يشير إلى وجود فجوة في النظام القانوني، ويثير تساؤلات حول مدى العدالة والمساواة في تطبيق القوانين.

المشكلة تكمن في التوفيق بين التقاليد والقوانين التي تسعى لحماية حقوق الإنسان، خاصة حقوق الأطفال والنساء. لهذا، فإن إصلاح القوانين ووضع تشريعات تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان أمر ضروري لتجنب هذه التناقضات وضمان حماية فعّالة لجميع أفراد المجتمع.

التحديات والمسؤولية:

المجتمع العراقي يواجه تحديًا كبيرًا في الوقوف ضد هذه التشريعات التي تُشرعن انتهاك حقوق الإنسان وتستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية. يجب على النخب الثقافية والدينية والسياسية التصدي لهذه المحاولات الرامية إلى تهميش المرأة واستغلال الطفولة، وإعادة التأكيد على أن كرامة الإنسان وحقوقه غير قابلة للمساومة.

إن تمرير مثل هذه القوانين يضع العراق أمام تحدٍ أخلاقي وإنساني كبير، ويتطلب من الجميع الوقوف بحزم ضد أي تشريع يُقوض قيم المجتمع ويهدد مستقبل أجياله. إن العفو العام بين المفاخذة وزواج القاصرات ليس مجرد قضية قانونية، بل هو معركة بين قيم الإنسانية وقوى التخلف والاستغلال.