مقالات

هل سيتجرع كأس السم علي خامئي كما تجرع سلفه الخميني؟

حسن فليح /محلل سياسي

في خضم التطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها إيران والمنطقة، يطرح تساؤل حول مصير النظام الإيراني تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، وما إذا كان سيتجرع “كأس السم” الذي شربه سلفه، آية الله الخميني، عندما اضطر لقبول وقف إطلاق النار مع العراق عام 1988، وهو القرار الذي اعتبره تخليًا عن طموحات الثورة الإيرانية ومبادئها.

خلفية تاريخية: كأس السم الأول

تجرع الخميني “كأس السم” بمرارة عندما قبل إنهاء الحرب الإيرانية-العراقية بعد ثماني سنوات من الصراع الدموي الذي أرهق الاقتصاد الإيراني وأثقل كاهل الشعب، رغم شعارات النظام بأن “الحرب حتى النصر”. جاء قرار الخميني بعد ضغوط دولية كبيرة وانهيار الاقتصاد الداخلي، وتحت وطأة الإدراك بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى نتائج كارثية على بقاء النظام نفسه. هذا الاعتراف الصعب مثّل انكسارًا جزئيًا لطموحات الجمهورية الإسلامية في نشر الثورة خارج حدودها.

إيران في عهد خامنئي: نفس المعضلات، تحديات جديدة

منذ وفاة الخميني، تولى خامنئي قيادة الجمهورية الإسلامية وسط تغيرات إقليمية ودولية كبيرة. لكن التحديات لم تختلف كثيرًا عن تلك التي واجهها سلفه؛ فالضغوط الاقتصادية بفعل العقوبات الأمريكية، والنزاعات الإقليمية في سوريا، العراق، واليمن، وتنامي السخط الداخلي، كلها تضع النظام أمام اختبارات صعبة.

خامنئي، منذ توليه السلطة، اعتمد استراتيجية المواجهة المستمرة مع الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك في إطار تعزيز نفوذ إيران الإقليمي وتقديم نفسها كقوة إقليمية حامية للمصالح الشيعية. هذه الاستراتيجية تمثلت في دعم الفصائل المسلحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، والاستثمار في برنامجها النووي. ورغم كل هذه النجاحات العسكرية والسياسية، إلا أن الاقتصاد الإيراني يئن تحت وطأة العقوبات والأزمات الداخلية المتزايدة.

هل سيكون الكأس مرة أخرى؟

السؤال الرئيسي الذي يواجه خامنئي اليوم هو ما إذا كان سيتوجب عليه قبول “كأس السم” الجديد، والذي قد يأتي في شكل اتفاق مع الغرب بشأن البرنامج النووي أو التخلي عن دعم حلفائه الإقليميين في سبيل تخفيف العقوبات وإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي. هناك مؤشرات على أن النظام الإيراني يقف أمام مفترق طرق مشابه لذلك الذي واجهه الخميني في عام 1988:

  1. الأوضاع الاقتصادية الداخلية: العقوبات المفروضة على إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 تضغط بشدة على الاقتصاد. تراجع العملة، ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية كلها تجعل من الصعب على النظام تجاهل الداخل الملتهب.
  2. الضغوط الدولية والإقليمية: مع تزايد العزلة الدولية وتنامي التنسيق بين الدول الإقليمية في مواجهة النفوذ الإيراني، يجد خامنئي نفسه مضطرًا لمراجعة سياساته الخارجية. التحالفات مع روسيا والصين لم تحقق بعد النتائج المرجوة في تخفيف الضغوط على الاقتصاد، كما أن التحالفات الإقليمية أصبحت موضع تساؤل بسبب التوترات المستمرة مع دول الخليج وإسرائيل.
  3. الملف النووي: الملف النووي يعد أحد أبرز التحديات التي قد تدفع خامنئي لتجرع “كأس السم”. بينما يصر النظام على حقه في تطوير برنامج نووي لأغراض سلمية، فإن الشكوك الدولية بشأن نوايا إيران قد تدفع نحو تصعيد عسكري أو ضربة إسرائيلية، مما قد يضع خامنئي أمام خيار مشابه لوقف إطلاق النار مع العراق.

خيارات خامنئي: استمرار التصعيد أو التراجع؟

على الرغم من التشابه الكبير بين موقف الخميني في أواخر الحرب العراقية-الإيرانية وموقف خامنئي الحالي، إلا أن الأخير قد يكون أقل استعدادًا للتراجع. خامنئي لطالما اعتبر التنازل أمام الغرب هزيمة للثورة الإسلامية وتراجعًا عن المبادئ الأساسية للنظام. ولكن في المقابل، يدرك أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل أو مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

التساؤل الكبير هنا هو ما إذا كان خامنئي سيختار المسار الواقعي الذي اعتمده الخميني لحماية النظام، أم أنه سيواصل التصعيد حتى النهاية، معتمدًا على قوة التحالفات الجديدة مع روسيا والصين، ورهانًا على صمود داخلي أكبر مما يتوقعه أعداؤه.

تجرع الخميني كأس السم في لحظة حاسمة من تاريخ إيران الحديث، مضحيًا ببعض الطموحات لإنقاذ النظام من الانهيار. اليوم، يواجه خامنئي تحديات مشابهة، وإن كانت أكثر تعقيدًا في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة. يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتجرع خامنئي نفس الكأس لإنقاذ النظام؟ أم أنه سيخاطر بكل شيء في سبيل الحفاظ على طموحات الثورة دون تنازل؟

ان مستوى التحدي الذي يواجهه النظام الإيراني الآن. بعد مقتل حسن نصر الله وهزيمة حماس هما ضربة قوية لمحور المقاومة، الذي كان يشكل ذراع إيران الأساسية في المنطقة لتنفيذ طموحاتها الإقليمية. خامنئي أمام خيارين: إما القبول بتقديم تنازلات للحفاظ على بقاء النظام وسط الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، أو التمسك بالنهج الثوري والمخاطرة بمزيد من الصراعات والمواجهات.

التنازل قد يعني إعادة النظر في السياسات الإقليمية والقبول بشروط معينة لتخفيف الضغط الاقتصادي والدبلوماسي، مما يتيح للنظام الإيراني فرصة لتجنب انهيار داخلي محتمل. أما التمسك بالطموحات الثورية، فقد يقود إلى مواجهات مباشرة تهدد وجود النظام نفسه، خاصة مع التصعيد الإسرائيلي والضغوط الأمريكية والغربية.

القرار النهائي يعتمد على كيفية تقييم خامنئي ومجلس القيادة لمخاطر الاستمرار في المواجهة مقابل الفوائد المحتملة من تقديم التنازلات، فضلاً عن درجة تأثير الضغوط الدولية والإقليمية على النظام . وهنا القرار الصعب بتجرع كأس السم .