في ظل الأوضاع المتوترة والمتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبدو أن هدوءًا حذرًا يسيطر على المشهد، وكأن الجميع ينتظر لحظة انفجار محتملة. هذا الهدوء ليس طبيعيًا، بل هو هدوء يشبه السكون الذي يسبق العاصفة، حيث تتراكم الأحداث وتتصاعد الضغوط حتى تصل إلى نقطة اللاعودة، فتتفجر الأزمات وتُعاد تشكيل المعادلات من جديد.
الواقع الحالي في الشرق الأوسط، بكل تفاصيله، يحمل إشارات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها تغييرات جذرية، سواء في المعادلات الإقليمية أو في السياسات الدولية. الانسحاب المتزايد لبعض القوى من مشهد المواجهة، ومحاولات إعادة تموضع قوى أخرى، كل ذلك يشير إلى أن شيئًا ما يُحضّر في الكواليس، وأن الأطراف المختلفة تستعد لمواجهة قد تكون الأشد منذ سنوات.
ربما يكمن السبب في الترقب في حجم المصالح المتضاربة بين الأطراف الدولية والإقليمية، سواء فيما يتعلق بالنفوذ أو بالموارد. فالمنطقة، التي تعد من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم، تشهد تحالفات جديدة وتفكك تحالفات قديمة، في محاولة لترتيب الأوراق قبل العاصفة المتوقعة.
وفي هذا السياق، يعكس الصمت النسبي لوسائل الإعلام والقيادات السياسية حالة من الغموض المقصود، حيث تدرك جميع الأطراف أن الإعلان عن النوايا والخطط سيساهم في تسريع وتيرة الأحداث، وربما يؤدي إلى انفجار قبل أوانه. وبالنظر إلى التحركات العسكرية والدبلوماسية التي تجري خلف الستار، يبدو أن الاستعدادات لمواجهة كبرى تجري على قدم وساق، وأن الجميع يحاول تجنب الخطوة الأولى التي ستشعل فتيل الأزمة.
الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والضغوط الداخلية التي تواجهها بعض الدول، تجعل من مسألة الدخول في نزاع أو تجنب العاصفة القادمة قرارًا مصيريًا ليس فقط على مستوى الحكومات بل على مستوى الشعوب. فالتجارب السابقة تؤكد أن الثمن الذي تدفعه الشعوب في مثل هذه الحالات يكون باهظًا، وأن العاصفة، حال حدوثها، لن تفرق بين الجاني والضحية.
ومع هذا الهدوء المشوب بالحذر، يبقى السؤال الأهم: من سيشعل الفتيل أولاً؟ وهل سيكون هناك من يملك الجرأة لمحاولة احتواء العاصفة قبل أن تنفجر؟ الأكيد هو أن المنطقة تقف على حافة مرحلة جديدة، وأن هذا الهدوء، مهما طال، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.