{تحولات إقليمية وتحديات مصيرية: إيران وحلفاؤها أمام مفترق طرق}

1

يشهد الشرق الأوسط اليوم تحولات سياسية كبرى تعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي وتعيد تشكيل التحالفات القائمة منذ عقود. في ظل هذه التحولات، يجد النظام الإيراني وحلفاؤه من الحكومات والفصائل الطائفية أنفسهم أمام مفترق طرق مصيري. لقد استطاع النظام الإيراني، منذ ثورة 1979، أن يلعب دورًا مركزيًا في معادلات المنطقة عبر استخدام الطائفية كأداة للتأثير والهيمنة، مما مكنه من تمزيق الوحدة العربية وتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع محدود بقيادة ميليشيات مرتبطة به.

لكن، ومع تغير المواقف الدولية والإقليمية، بدأت هذه الاستراتيجية تواجه تحديات جدية. فإسرائيل، التي كانت ترى في إيران حليفًا غير مباشر يساهم في إضعاف الأعداء المشتركين، بدأت تشعر بأن نفوذ طهران لم يعد يخدم مصالحها، خاصة مع تعاظم الدور الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن ودعمه العلني لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. هذه التطورات دفعت القوى الدولية والإقليمية إلى إعادة النظر في التعامل مع النظام الإيراني، وسط توجهات جديدة تهدف إلى إعادة التوازن للمنطقة والحد من تأثير الفصائل المسلحة المدعومة من طهران.

التحالفات الجديدة، مثل “الاتفاقيات الإبراهيمية”، تسعى إلى بناء سلام وتعاون مشترك بين العرب وإسرائيل، وهو ما يتعارض تمامًا مع المشروع الإيراني الذي يقوم على بث الفُرقة وتأجيج الطائفية. هذه التغيرات تجعل من الواضح أن النظام الإيراني يفقد قدرته على الاستفادة من أدواته التقليدية، بالمقابل نشهد تلاشي الدعم العربي لتلك الفصائل الشيعية الموالية لنظام الايراني في صراعها الحالي مع اسرائيل، مما يضع تلك الجماعات في موقف ضعيف أمام الصراع الدائر مع الان.

وفي هذا السياق، تجد الحكومات العربية المرتبطة بإيران نفسها في موقف لا تُحسد عليه. فبينما يزداد الضغط الدولي والإقليمي لوقف التدخلات الإيرانية، يزداد أيضًا الضغط الشعبي داخل تلك الدول للتخلص من النفوذ الإيراني واستعادة السيادة الوطنية. استمرار تلك الحكومات في السير على خطى طهران سيعرضها لمزيد من العزلة وربما يؤدي إلى سقوطها، خاصة إذا ما استمر تجاهل مصالح شعوبها لصالح الولاء لإيران.

بالمقابل، قد تشكل التحولات الحالية فرصة أمام النظام الإيراني لمراجعة سياساته والبحث عن دور أكثر إيجابية في المنطقة، يعتمد على التعاون بدلاً من التدخل. هذا التوجه، إن حدث، قد يسهم في تخفيف الضغوط المفروضة على طهران ويمنحها فرصة للحفاظ على نظامها من السقوط وبعيدًا عن التصعيد العسكري والسياسي.

أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من التحالفات والتوازنات، حيث لن يكون هناك مكان للأنظمة والفصائل التي تعتمد على الطائفية والتدخل كأدوات لتحقيق نفوذها . النظام الإيراني وحلفاؤه أمام خيار صعب . وتلاشي الحلول السياسية امامهما . فقط بالاستلام للمعادلة الجديدة .

المعادلة الجديدة ليست خيارًا، بل هي ضرورة ستفرض نفسها في النهاية، سواء بالحرب أو بالسلام. والتحدي الأكبر الذي يواجه الجميع اليوم هو كيفية تحقيق هذا التغيير بأقل الخسائر الممكنة وبأكبر قدر من الاستقرار لشعوب المنطقة .

أن المرحلة القادمة ستكون صعبة بالنسبة لطهران، حيث تواجه تحديات متزايدة تتطلب منها إما تغيير سياساتها الإقليمية أو مواجهة عواقب لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.

التعليقات معطلة.