دعم مبادرات «الشيخوخة بكرامة» في «اليوم العالمي لكبار السن»
تُعدّ شيخوخة السكان اتجاهاً عالمياً رئيسياً يُعيد تشكيل المجتمعات في جميع أنحاء العالم، إذ يتجاوز متوسط العمر المتوقع عند الولادة الآن 75 عاماً في نصف بلدان العالم، أي أطول بمقدار 25 عاماً مما كان عليه في عام 1950. وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يفوق عدد كبار السن عدد الشباب على مستوى العالم، مع تسارع هذه الزيادة بشكل أكبر في البلدان النامية.
مع تقدّم السكان في العمر، يزداد الطلب على خدمات الرعاية الصحية الشاملة والرعاية والدعم الاجتماعي بصورة كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى كبار السن الذين يعانون من أمراض مثل الخرف.
مؤتمر صحافي عالمي
واعترافاً بهذه التحديات والفرص، سيركّز الاحتفال الرابع والثلاثون بـ«اليوم العالمي لكبار السن» (International Day of Older Persons)، الذي يُحتفل به في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، على موضوع «الشيخوخة بكرامة» (Ageing with Dignity)، مؤكداً أهمية تعزيز أنظمة الرعاية لكبار السن في جميع أنحاء العالم التي تحترم كرامة كبار السن ومعتقداتهم واحتياجاتهم وخصوصيتهم، والحق في اتخاذ القرارات بشأنهم.
وتزامناً مع «اليوم العالمي لكبار السن»، حضر محرر ملحق «صحتك» المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقدته شركة «جي إس كي» على مدى يومين في مدينة وافر (قلب إنتاج اللقاحات في العالم) في بلجيكا، سُلّط خلالهما الضوء على خصائص الفئة العمرية لكبار السن، وأهمها ضعف الجهاز المناعي؛ مما يجعل كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وبوجه خاص المعدية، وطرق الوقاية منها. ويشكّل هذا تحدياً كبيراً أمام الحفاظ على شيخوخة صحية، وهو هدف حاسم لكبار السن.
استراتيجيات «الشيخوخة الصحية»
إن المفهوم الأساسي الكامن وراء تأثير الشيخوخة على «الشيخوخة الصحية» (healthy ageing) هو الضعف التدريجي لجهاز المناعة. فمع تقدّم الأفراد خلال العقود السادسة والسابعة والثامنة من حياتهم، يفقد جهاز المناعة لديهم قدرته على مكافحة الأمراض المعدية بشكل فعّال. وتتطلّب هذه القابلية المتزايدة للإصابة بالعدوى اتباع نهج استباقي للحفاظ على الصحة البدنية وتنفيذ الاستراتيجيات الوقائية.
وقد التقت «صحتك» نائب الرئيس للقيادة الطبية العالمية في شركة «جي إس كي»، أحد المتحدثين في المؤتمر الدكتور ألكسندر لياكوس (Alexander Liakos)، ليوضح لنا خصائص مرحلة الشيخوخة وكيف يمكن حماية «الشيخوخة الصحية».
أوضح لياكوس أن علينا أولاً أن نكون واعين لفهم حقيقة أننا لسنا أقوياء في مرحلة الشيخوخة كما كنا في منتصف العمر، وسيزداد ذلك مع تقدمنا في السن. علينا أن نعمل بجد لمواجهة ذلك من خلال عدة خطوات، تشمل الحفاظ على نمط حياة نشط بدنياً نمارس فيه الرياضة بشكل منتظم، وضمان اتباع نظام غذائي متوازن ومغذٍ، وإعطاء الأولوية للنوم الكافي، والمشاركة في أنشطة محفزة عقلياً، وتعزيز الروابط الاجتماعية القوية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي اعتبار التطعيم ضد بعض الأمراض المعدية، مثل: الإنفلونزا والهربس النطاقي (shingles)، جزءاً من استراتيجية «الشيخوخة الصحية» الشاملة، (وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، 2019).
حقائق حول إصابات كبار السن
– تكتسب الاحتياجات الصحية لكبار السن أهمية متزايدة مع تقدم سكان العالم في السن، فخلال عقد «الشيخوخة الصحية» (2021 – 2030)، سيزداد عدد السكان البالغين من العمر 60 سنة فما فوق بنسبة 34 في المائة، من 1 إلى 1.4 مليار نسمة (وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، في 2020). وبحلول عام 2050، سيكون هناك ما يُقدّر بـ2.1 مليار نسمة، يبلغون من العمر 60 عاماً أو أكثر.
– مع تقدم البالغين في السن تبدأ وظيفة الجهاز المناعي الانخفاض. وفي مرحلة الشيخوخة يزداد النظام المناعي ضعفاً، ويرتفع خطر الأمراض المعدية؛ إذ يُسهم انخفاض المناعة المتصل بزيادة العمر في زيادة قابلية الإصابة بالأمراض المعدية في سن الشيخوخة التي يمكن الوقاية من أغلبها باللقاحات. ومن المتوقع أن يرتفع العبء المجتمعي، على مدى السنوات الثلاثين المقبلة، للأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيم لدى البالغين من العمر أكثر من 50 سنة.
– ترتبط مخاطر الإصابة بالأمراض بزيادة شدة الظروف المرضية لدى كبار السن، ومنها الأمراض المعدية، بالإضافة إلى الأورام الخبيثة والحميدة، والأورام الدموية أو المناعية، والغدد الصماء، والاضطرابات النفسية والعصبية، والقلب والأوعية الدموية، والجلد، والهيكل العضلي والعظمي، والجهاز التنفسي والبولي والتناسلي. وترتفع النسبة المئوية للإصابة بمرض واحد منها أو أمراض متعددة مع زيادة العمر بالسنوات، وفقاً لبيانات بحوث الممارسة السريرية في مستشفيات إنجلترا.
– كبار السن الذين يعانون من الأمراض هم أكثر عرضة لخطر دخول المستشفيات، فعلى سبيل المثال، معدلات دخول المستشفيات المرتبط بالفيروس المخلوي التنفسي (RSV) في أوساط البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و74 سنة، ممن يعانون من حالات مرضية مزمنة، في الفترة 2017 – 2018 كانت مرتفعة جداً، مقارنة بمن لا يعانون من أمراض مزمنة.
تبعات الإصابة بالأمراض المعدية
– يمكن أن يكون للعدوى تأثير كبير في الحالة الوظيفية ونوعية الحياة لكبار السن، على المدى الطويل، وقد تتجاوز الأمراض الحادة في تأثيرها.
– كبار السن المنومون بالمستشفيات والمصابون مثلاً بالفيروس المخلوي التنفسي المرتبط بالعدوى التنفسية الحادة (RSV – ARI) يمكنهم أن يواجهوا مشكلات كبيرة طويلة الأجل، فنحو 24.5 في المائة منهم يحتاجون إلى رعاية منزلية متخصصة، و26.6 في المائة يحتاجون إلى التنويم مرة ثانية خلال 3 أشهر، و8 في المائة ممن تم تنويمهم بالمستشفيات بتشخيص مؤكد للإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي فقدوا استقلاليتهم بعد مرور 6 أشهر من مغادرة المستشفى. كان معدل الوفيات في غضون سنة من تاريخ تنويمهم بالمستشفيات هو 33 في المائة تقريباً، وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في مجلة «الأمراض المعدية» (J Infect Dis 2020)، قام بها تسينج (Tseng HF) وزملاؤه.
– ترتبط الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي (RSV) بآثار ضارة على الإنتاجية، والأنشطة الاجتماعية أو الترفيهية، والعلاقات، والنوم العاطفي أو البدني أو الوظيفي.
– كبار السن معرّضون لخطر متزايد لدخول المستشفيات، وقد يعيشون فترة أطول مع صحة متردية، إذ إنهم الأكثر عرضة للمعاناة من نتائج سيئة بسبب التهابات الجهاز التنفسي السفلي (RSV)، والهربس النطاقي، أو «الحزام الناري» (herpes zoster or shingles).
– لُوحظ، في إحدى الدراسات، أن أعلى معدل لدخول المستشفيات كان في الفئة العمرية 55+، في حين الفئة العمرية 20 – 54 سنة كان لديها معدل دخول إلى المستشفى أقل بكثير. أما معدل الوفيات فهو الأعلى أيضاً في الفئة العمرية 55 عاماً فما فوق، أما الفئة العمرية من 20 إلى 54 سنة فلها معدلات وفيات أقل بكثير.
حقائق عن «الحزام الناري»
«الحزام الناري» (shingles)، المعروف أيضاً بـ«الهربس النطاقي»، هو حالة شائعة تتميّز بظهور طفح جلدي بثري مؤلم. يمكن أن يستمر الألم المصاحب للحالة لعدة أسابيع أو أشهر، وفي بعض الحالات الشديدة، قد تكون له بعض العواقب غير المرغوب فيها؛ إذ يؤدي إلى مضاعفات تكون لها، أحياناً، عواقب أكثر خطورة.
تشير التقديرات العالمية إلى أن «الحزام الناري» واسع الانتشار، وأن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في العالم سيعاني نوبة من «الحزام الناري» خلال حياته. وتزداد احتمالية الإصابة مع التقدم في العمر؛ إذ يُلاحظ ارتفاع في معدلات الإصابة بعد سن الخمسين.
وهناك إرشادات وتوصيات حديثة بشأن الوقاية من «الحزام الناري» عالمياً، وهي تعتمد على السلطات الصحية المحلية لكل دولة. والسمة الرئيسية لهذه الإرشادات هي تقديم الوقاية إلى الأشخاص مع تقدمهم في العمر؛ إذ يبدأ إعطاؤهم اللقاح من سن 50 عاماً، مع التركيز على الأشخاص الذين يعانون من ضعف في المناعة.
التطعيم بعد الإصابة، يمكن إعطاء اللقاح للأشخاص الذين تعرضوا للإصابة بـ«الحزام الناري»، بشرط أن تكون هناك فجوة زمنية بين الإصابة وتلقي اللقاح. والخط الأول في الوقاية من «الحزام الناري» هو اللقاح، ويكون غالباً لقاحاً معاد التركيب، مما يعني أنه لا يحتوي على فيروس حي.
وقد أظهرت دراسات سريرية حديثة أُجريت على مدى 20 عاماً أن اللقاح فعّال وآمن، وأن نسبة فاعليته تظل نحو 80 في المائة حتى بعد 11 عاماً من التطعيم الأولي.
التحصين والوقاية من الأمراض
تمتد فوائد تحصين البالغين (كبار السن) إلى ما يتجاوز الوقاية من الأمراض الحادة. كما تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الصحة الفردية وتعود بالنفع على جميع السكان والمجتمعات.
وتكتسب الاحتياجات الصحية لكبار السن أهمية متزايدة مع تقدم سكان العالم في العمر. ومن الممكن تجنّب أكثر من 3 ملايين من الوفيات المبكرة، وهو ما يشكّل أكثر من ربع إجمالي الوفيات، بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 75 عاماً من خلال تحسين التدخلات الوقائية وفي مقدمتها التحصين، وفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» لعام 2019.
ويتضح من نتائج الدراسات التي ذُكرت آنفاً أن كبار السن في خطر أعلى للتعرض بشكل كبير لدخول المستشفيات والوفاة بسبب العدوى، والسبب هو ضعف جهاز المناعة ووجود أمراض مصاحبة أخرى في هذه الفئة العمرية. وتسلط هذه النتائج الضوء على أهمية تدخلات الرعاية الصحية المستهدفة، مثل التطعيم والعلاج المبكر لكبار السن؛ للحد من عبء هذه الأمراض المعدية.
ولذا فإن زيادة الاستثمار في التحصين على مدى الحياة هي أمر بالغ الأهمية للاستفادة الكاملة منه بوصفه استراتيجية وقائية فعّالة.
* استشاري طب المجتمع