تشهد منطقة الشرق الأوسط توترًا متصاعدًا ينذر باندلاع مواجهة كبرى بين إسرائيل وإيران، حيث تتراكم الأحداث السياسية والعسكرية بطريقة توحي بأن خيار الحرب لم يعد مجرد سيناريو بعيد، بل بات أقرب إلى واقع حتمي ينتظر لحظة الانفجار. في ظل غياب أي بوادر حقيقية للتسوية، تزداد المؤشرات التي تشير إلى اقتراب المواجهة بين الطرفين، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة وتداعيات الصراع على المستويين الإقليمي والدولي.
تصاعد الصراع بالوكالة
إيران ومنذ سنوات طويلة تعتمد على استراتيجيات “الحرب بالوكالة” من خلال دعم الفصائل المسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. هذه الفصائل، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، التي ترى في النفوذ الإيراني المتنامي في جوارها المباشر خطراً لا يمكن التساهل معه. العمليات العسكرية المستمرة ضد مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحلفائها في سوريا، إلى جانب الاستعدادات الدفاعية الإسرائيلية المتزايدة، تشير إلى أن إسرائيل لن تتسامح طويلاً مع التواجد الإيراني قرب حدودها.
الملف النووي الإيراني: محور الأزمة
البرنامج النووي الإيراني هو أحد أبرز العوامل التي تدفع باتجاه الحرب. رغم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها القوى العالمية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، لا تزال الشكوك الإسرائيلية حول نوايا طهران قائمة. إسرائيل تعتبر أن إيران تقترب من امتلاك قدرة تصنيع أسلحة نووية، وهو “خط أحمر” أكدت تل أبيب مراراً أنها لن تسمح بتجاوزه. مع انحسار خيارات الدبلوماسية وتزايد التصريحات الإسرائيلية التي تهدد باستخدام القوة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، يبدو أن خيار المواجهة المباشرة بات مطروحًا أكثر من أي وقت مضى.
التحالفات الإقليمية والدولية
التحولات السياسية الإقليمية والدولية تلعب دوراً في رسم معالم الصراع القادم. التحالف المتزايد بين إيران وروسيا، والدعم المتبادل في عدد من الملفات الإقليمية مثل سوريا وأوكرانيا، يعقد المشهد ويجعل إسرائيل وحلفاءها في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، أمام تحديات كبيرة. ورغم أن الولايات المتحدة تسعى لتجنب حرب شاملة في المنطقة، إلا أن مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط قد تدفعها إلى تقديم دعم كامل لإسرائيل في حال اندلاع مواجهة مع إيران.
على الجانب الآخر، هناك تقارب إسرائيلي مع بعض الدول العربية عبر اتفاقيات التطبيع الأخيرة، ما قد يزيد من عزل إيران إقليميًا. ومع ذلك، فإن هذه التحالفات لا تزال هشة إلى حد كبير، حيث أن أي صراع مباشر قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات وتقسيم المنطقة إلى معسكرات متنازعة.
الدوافع الاقتصادية والسياسية
إلى جانب العوامل الأمنية والعسكرية، تلعب الدوافع الاقتصادية والسياسية دورًا في تسريع احتمالية الحرب. إيران تواجه ضغوطًا اقتصادية هائلة نتيجة العقوبات الغربية المستمرة، ما يدفعها إلى تصعيد مواقفها العسكرية كوسيلة لتحسين موقعها التفاوضي أو ربما لخلق أمر واقع جديد. في المقابل، الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو تواجه ضغوطًا داخلية كبيرة، وقد يكون التصعيد ضد إيران وسيلة لتوحيد الجبهة الداخلية وكسب التأييد الشعبي.
هل من مخرج؟
رغم كل المؤشرات التي تدل على اقتراب الحرب، لا تزال هناك أصوات دولية وإقليمية تدعو للتهدئة وتسوية الأزمات عبر الحوار. لكن، ومع استمرار التصعيد الكلامي والعسكري من الجانبين، تبدو فرص الدبلوماسية تتضاءل يومًا بعد يوم. إسرائيل تعتبر نفسها في معركة وجودية، وإيران تعتبر نفسها في صراع مستمر ضد الهيمنة الغربية والإسرائيلية على المنطقة. هذا التناقض العميق يجعل من الصعب تصور مخرج سلمي في المدى القريب.
مع تزايد التوترات وتراكم الدوافع السياسية والعسكرية، تبدو الحرب بين إسرائيل وإيران أقرب إلى الحتمية. هذه الحرب لن تكون مجرد مواجهة بين دولتين، بل ستكون صراعاً ذا أبعاد إقليمية ودولية قد يعيد رسم خريطة التحالفات والقوى في الشرق الأوسط والتي تهدف لخلق معادلة جديدة ليس لايران ومواليها من انظمة حكم وقوى مسلحة مكاناً فيها ، السؤال الذي يبقى هو: هل يستطيع العالم أن يتجنب هذا السيناريو المأساوي؟ أم أن الحرب، بكل ثقلها ونتائجها الكارثية، أصبحت فعلاً الخيار الوحيد على الطاولة؟