{تصريحات يوآف غالانت ذهبت ادراج الرياح}

11

 

 

دائما كانت إسرائيل واضحة في موقفها الحازم ضد أي مشروع نووي إيراني، معتبرةً أنه يشكل تهديداً وجودياً لا يمكن التساهل معه. وجاء تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بوعوده بضربة عسكرية مباغتة وقوية ومفاجئة على إيران، ليعزز هذا التوجه. في تصريحه، وصف غالانت العملية المستقبلية بأنها ستكون ضربة قاسية ومدهشة، دقيقة ومكثفة، وستذهل العالم وتغير المعادلات بشكل لا يمكن التنبؤ به. إلا أن الحقيقة التي تلت التصريحات أظهرت نتائج مغايرة، وجعلت تلك الوعود تبدو مجرد فقاعات إعلامية بعيدة عن الواقع ، وقد اذهل الرد الاسرائيلي العالم بضعفه !

 

التصريح والواقع المتناقض

 

وعد غالانت أن الضربة ستكون “مباغتة”، لكن المؤشرات والاستعدادات على الصعيدين الإعلامي والدبلوماسي الإيراني والإسرائيلي على حد سواء جعلت العالم يترقب حدثاً كبيراً. فلم تكن المفاجأة حاضرة، إذ إن استباق التهديدات أدى إلى توقع الاستهداف الإيراني واستعداده له، سواء عبر استراتيجيات مضادة أو جاهزية تكنولوجية للتعامل مع أي ضربات محتملة.

 

أما “الكثافة” الموعودة، فلم تُترجم إلى شيء ملموس على أرض الواقع. فقد جاءت الهجمات على شكل عمليات محدودة التأثير، تفتقر إلى التصعيد الكبير الذي تحدث عنه وزير الدفاع. فبدلاً من الموجة الكثيفة من القصف والهجمات الجوية التي كانت ستؤدي إلى شلّ قدرات إيران في لحظات، بدا أن إسرائيل اكتفت بإرسال إشارات عسكرية دون أن تُحدث الأثر الاستراتيجي الكبير الذي كانت تأمله.

 

وفيما يخص عنصر “المفاجأة”، يظهر أن التصريحات العلنية أسهمت في إعطاء إيران مهلة كافية للتأهب، وبالتالي كان من الصعب أن تكون الضربة مفاجئة حقاً. فقد استعدت إيران على المستويات الأمنية والدفاعية والنفسية، مما أفقد هذه الضربة عنصر المباغتة، وتحولت من ضربة كانت ستربك إيران إلى مجرد سلسلة من المحاولات غير المؤثرة.

 

أما “الدقة”، فهي عنصر يصعب تقييمه بدقة إلا من خلال البيانات الميدانية الرسمية، لكن لا يبدو أن العمليات قد حققت النتائج المرجوة التي قد تعيد ترتيب الأوراق كما وعد غالانت، إذ لم تظهر دلائل واضحة على أن الضربة حققت نجاحاً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية أو تعطيلها بشكل ملحوظ.

 

الوعود الزائفة وأثرها على صورة إسرائيل

 

كان الحديث عن ضربة ستذهل العالم، يجعل المتابع يتخيل مشهداً عالمياً غير مسبوق، إلا أن النتائج التي ظهرت، والتي لم تحمل الأثر الكبير أو التحولات المتوقعة، جعلت العالم ينظر ببرود، فقد أصبحت تصريحات إسرائيلية عديدة تُطرح على الساحة الدولية وتبدو كأنها استراتيجيات إعلامية أكثر منها استراتيجيات عسكرية.

 

بل إن هذه التصريحات المتسرعة ربما أسهمت في خلق تأثير عكسي؛ إذ باتت القوى الدولية تشكك في قدرة إسرائيل على تحقيق ما تعد به، وأعطت إيران حافزاً للتأكيد على قدراتها الدفاعية وإظهار أنها ليست بالخصم السهل الذي يسقط أمام ضربات سريعة.

 

يبدو أن الوعود الكبيرة التي حملتها تصريحات غالانت اصطدمت بالواقع على الأرض، وبدلاً من أن تشكل هذه العملية تحولاً استراتيجياً هائلاً، بدت كأنها مجرد حلقة جديدة من حلقات الصراع المتكرر في المنطقة، الذي لا يحقق تقدماً ملموساً سوى في إطار التصريحات الإعلامية. إنّ الوعود الكبرى التي لم تتحقق، قد أضعفت من صورة إسرائيل كقوة قادرة على حسم المواجهات، وقد تكون دافعاً لإيران لتعزيز دفاعاتها بشكل أكبر، ودفعها نحو المزيد من الإصرار على تحقيق مشروعها النووي .

التعليقات معطلة.