{الفساد السياسي والمالي يقف حجر عثرة أمام إقرار قانون العفو العام في العراق}

40

 

 

تظل قضية العفو العام في العراق محط جدل واسع بين الأوساط السياسية والشعبية، حيث يتعرض المشروع لعرقلة دائمة بفعل شبكات الفساد المالي والسياسي التي تخشى تأثيره على مصالحها الخاصة. ولعل أحد أبرز العراقيل التي تواجه إقرار هذا القانون هو نظام المحاصصة الذي يوزع المناصب، بما فيها إدارة السجون، بين الأحزاب السياسية، مما يتيح لها التحكم بعدد النزلاء واستغلال هذا الواقع لتحقيق مكاسب مالية مستمرة.

دور المحاصصة في تعطيل قانون العفو العام

لطالما شكل نظام المحاصصة الطائفية والحزبية عائقًا كبيرًا أمام الإصلاحات القانونية في العراق، ويظهر تأثيره بوضوح في قضية العفو العام. حيث تُدار المؤسسات الإصلاحية في العراق وفق نظام محاصصي يمنح بعض الأحزاب حق إدارة السجون، ما يعني استغلالهم لهذا القطاع كوسيلة للربح المالي. ويتطلب العفو العام تخفيض عدد السجناء، مما يهدد المداخيل المالية التي يجنيها هؤلاء من إدارة السجون، بما في ذلك مخصصات الطعام والرعاية الصحية والتأهيل.

هذا الوضع خلق بيئة تعارض فيها بعض الأطراف السياسية إصدار قانون العفو العام، حيث أن إقراره سيؤدي بالضرورة إلى تقليل عدد السجناء، وبالتالي يؤثر سلبًا على “مصالحهم الاقتصادية”. فبدلاً من دعم جهود الإصلاح وإعادة تأهيل النزلاء وإعادة دمجهم في المجتمع، يُفضّل بعض السياسيين زيادة أعداد السجناء، باعتبار أن ارتفاع أعدادهم يعزز أرباح هذه الشبكات ويمدهم بمدخول ثابت من الدولة.

الفساد المالي وأثره على السجون

تنعكس آثار الفساد المالي في العراق على كل مناحي الحياة، لكن تأثيره على نظام السجون يبدو صارخًا. فالميزانيات الضخمة التي تُخصص لتغطية احتياجات السجون تتحول إلى مصدر دخل غير مشروع لبعض الجهات المسؤولة عن إدارتها. ويستفيد هؤلاء من الميزانية المخصصة للسجون بطرق متعددة، بما في ذلك التعاقد مع شركات توريد المواد الغذائية والخدمات، ما يعزز رغبتهم في إبقاء السجون مكتظة دائمًا.

هذا الفساد المستشري يجعل الجهات المستفيدة تعمل باستمرار على تعطيل أي مشروع يمكن أن يقلل من عدد السجناء، بما في ذلك قانون العفو العام، لأنه يمثل خطرًا مباشرًا على “مصالحهم” في هذا القطاع. هذا التوجه يشير بوضوح إلى أن المستفيدين من الفساد ليس لديهم مصلحة في تحسين الأوضاع أو تحقيق العدالة، بل في استدامة الوضع الحالي وتحقيق مكاسب شخصية.

عرقلة الإصلاح القانوني ومآلاته

في ظل هذا الواقع، يبدو أن النظام القانوني في العراق مرهون بمصالح ضيقة للأحزاب السياسية، ما يعطل قدرة الدولة على إصدار قوانين إصلاحية فعالة تخدم المجتمع. ويشكل تعطيل قانون العفو العام مثالًا حيًّا على كيفية تأثر القرار السياسي بمصالح بعض الجهات المتنفذة التي تسعى لحماية نفوذها على حساب الأمن الاجتماعي.

إن عدم إقرار قانون العفو العام يساهم في تفاقم الأوضاع داخل السجون ويعرقل جهود الإصلاح، ما يترك السجناء في حالة من الإحباط ويزيد الضغط على النظام القضائي. وبدلًا من أن تكون السجون أداة لإعادة التأهيل، تصبح مكانًا لزيادة المعاناة والنفقات التي تتحملها الدولة.

يظل قانون العفو العام في العراق مرهونًا بإرادة سياسية بعيدة عن تأثير الفساد والمحاصصة. إن إصدار هذا القانون سيسهم في خفض عدد النزلاء وتخفيف الضغط على السجون، لكنه يتطلب مواجهة حقيقية مع الفساد والشبكات التي تُبقي على هذا القطاع لتحقيق مكاسبها. يبقى الأمل معلقًا على جهود الإصلاح ونية حقيقية لدى القوى السياسية الفاعلة في دفع عجلة التغيير، وتحرير القرار القانوني من نفوذ المصالح الشخصية التي تعرقل مسيرة العدالة.

التعليقات معطلة.