في تاريخ الولايات المتحدة، تتكرر المشاهد السياسية وكأنها أحداث دائرية، حيث تبدو الفترات الديمقراطية غالباً متسمةً بالنهج الدبلوماسي المهادن، بينما تأتي الفترات الجمهورية بنبرة أكثر حزماً وتشدداً. هذا النمط من التغيير السياسي يُلقي بظلاله على سياسات البلاد تجاه العالم، ويعكس تناوبًا بين السعي لتحقيق الاستقرار عبر الحوار والانفتاح، وبين استعراض القوة وإعادة فرض النفوذ.
في سبعينيات القرن الماضي، واجهت إدارة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عدة تحديات على الساحة الدولية، كان أبرزها أزمة الرهائن في إيران، وارتفاع أسعار النفط، وتوترات الحرب الباردة. اتسمت تلك الفترة بتراجع في الهيبة الأمريكية، ما جعلها تبدو كقوة عاجزة عن التعامل مع قضاياها الخارجية بشكل حاسم. ورغم مساعي كارتر في حل النزاعات دبلوماسياً، لم تلقَ تلك الجهود استجابة من خصومه، الأمر الذي ترك الانطباع بتراجع قوة الولايات المتحدة.
عندما جاء رونالد ريغان الجمهوري إلى السلطة في عام 1981، تبنى استراتيجية مختلفة، تقوم على زيادة الإنفاق الدفاعي وتوجيه رسائل صارمة تجاه الخصوم، وهو ما أسهم في استعادة الهيبة الأمريكية على الساحة الدولية. كان ريغان رجلاً حازماً، استخدم القوة الناعمة والصلبة معًا، ليثبت للعالم أن الولايات المتحدة لن تتراجع أمام تحديات الخصوم. وهكذا، شهدت البلاد فترة من استعراض القوة، جعلت العالم يعيد النظر في حساباته عند التعامل مع أمريكا.
اليوم، يجد البعض تشابهاً واضحاً بين فترة كارتر وأوضاع أمريكا في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن. حيث يرى كثيرون أن فترة بايدن اتسمت بالمهادنة وعدم الوضوح تجاه التحديات الدولية، من حرب أوكرانيا وتصاعد نفوذ الصين، إلى التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، وتحديداً الصراع المتجدد بين إسرائيل وإيران. ومع ازدياد الأزمات، أصبح التساؤل قائماً ، هل يحتاج العالم إلى “رجل قوي” يعيد لأمريكا هيبتها ويضبط توازن القوى؟
يرى أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب أن فترته كانت مختلفة عن فترة بايدن، حيث اعتمد ترامب نهجاً صارماً وأحياناً غير تقليدي، كان أكثر جراءة في مواجهة التحديات، سواء بفرض عقوبات اقتصادية قاسية، أو باتخاذ قرارات دبلوماسية حاسمة دون تردد. لقد أرسل ترامب رسائل قوية إلى حلفائه وخصومه على حد سواء، معززاً موقع أمريكا كلاعب لا يتهاون في شؤون السياسة الدولية، وهو ما يجده مؤيدوه حاجةً ملحة اليوم، خاصة مع تصاعد التوترات والأزمات العالمية.
بين الماضي والحاضر، تعود أمريكا لمواجهة السؤال الذي تطرحه التقلبات السياسية في أوقات الأزمات، هل تحتاج إلى زعيم قوي يعيد لها هيبتها أمام العالم؟ في حين ان العالم الان اشد خطورة من فترة جيمي كارتر ويثور بازماتة وفاقد تماما لمن يضبط ايقاعاته .