كيف تفرض سياسات ترمب على بريطانيا العودة إلى فلك الاتحاد الأوروبي؟

2

سياسات الرئيس المنتخب تجاه أوكرانيا وتعريفاته الجمركية سترغم الدول الأوروبية على التعاون – وتقنع حزب “العمال” بأن مستقبل بريطانيا مرتبط بمسار الاتحاد الأوروبي
جون رينتول معلق سياسي
لو كانت بريطانيا لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي لأتيحت لها فرصة لإثبات ريادتها (غيتي)
ملخص
هناك سيناريو غير بعيد المنال يفيد بأن سياسة ترمب الحمائية قد تؤدي إلى دفع العالم إلى كارثة تجارية قد تسهم في عودة بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي.
قد تترك عودة دونالد ترمب تأثيرين مختلفين في الميدان السياسي الأوروبي.
فمن جهة، قد تحث الدول الأوروبية على توحيد صفوفها والتعاون للرد على السياسة الأميركية الوقائية وعلى سحب الدعم الأميركي لأوكرانيا.
ومن جهة أخرى، قد تشجع القادة الأوروبيين على الانكفاء نحو الداخل والتركيز على مصالحهم القومية، في مسعى منهم إلى إبعاد التهديد الذي يمثله مناصرو ترمب المحليون في الحكومات الحالية.
وفي هذا السياق، يحاول كير ستارمر الجمع بين الأمرين معاً: فقد وصل إلى بودابست الخميس الماضي للمشاركة في قمة “المجلس السياسي الأوروبي” European Political Community، معلناً اتفاقات مع صربيا وشمال مقدونيا وكوسوفو تتعلق بموضوع تهريب البشر، بيد أن الكلام هنا يدور حول “المجلس السياسي الأوروبي” وليس الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن هذه الدول الثلاث ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي (حتى الآن).
اقرأ المزيد
هل ساءت علاقة بريطانيا وأوكرانيا في عهد حكومة “العمال”؟
اقتصاد بريطانيا أمام خطر التباطؤ للنصف بعد فوز ترمب
الاتفاق الدفاعي البريطاني الألماني يفتح صفحة جديدة بعد “بريكست”
هل يرسل بايدن مساعدات إضافية إلى أوكرانيا قبل تنصيب ترمب؟
وعليه، يمكننا القول إن ستارمر ينجح في مساعيه إلى تجنب اتهامات المحافظين له بالسعي إلى “إلغاء مفاعيل اتفاقية بريكست”.
والجدير بالذكر أن “المجلس السياسي الأوروبي” هو مبادرة مبتكرة أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد تصور المجلس المذكور كطبقة خارجية جديدة للاتحاد الأوروبي، على غرار طبقات البصل المتعددة.
أما هدفه الإستراتيجي فواضح للعيان، ويتمثل في وضع عراقيل تَحول دون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع أن نتائجه تُظهر حتى الآن أنه أداة دعم فاعلة للحكومة البريطانية.
وصحيح أن ستارمر يتحدث عن الدعم الدولي، وهو ما يلقى استحسان الجناح الداعم للاتحاد الأوروبي داخل حزبه.
بيد أن غاية المجلس فعلياً هي التركيز على قضية الهجرة غير الشرعية، وهدفها البقاء بمنأى عن نايجل فاراج، وقد سبق لرئيس الوزراء أن اعتمد النهج نفسه قبل أيام، خلال اجتماعات الجمعية العامة للإنتربول التي انعقدت في غلاسكو، إذ دعا إلى اعتماد مقاربة أوروبية متكاملة لمكافحة الجريمة المنظمة في صفوف المهاجرين، مشدداً على ضرورة أن يكون التعامل معها شبيهاً بالتعامل مع الإرهاب.
ولا شك في أن عودة ترمب الوشيكة إلى البيت الأبيض تعقّد هذه الإستراتيجية المزدوجة وتصعّبها، وخلال فعاليات بودابست، أفاد مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورئيس الوزراء الهولندي السابق قائلاً “إنه سيرغمنا على فعل المزيد”.
والجدير بالذكر هنا أن الناتو ليس الاتحاد الأوروبي، لذا لا داعي للخوف من إعادة فتح ملف “بريكست”، لكن في حال قرر ترمب سحب الدعم المقدم لـفولوديمير زيلينسكي، فستجد الدول الأوروبية نفسها أمام أسئلة صعبة ومؤلمة، حول مدى استعدادها لدفع مبالغ إضافية دفاعاً عن الشعب الأوكراني في مواجهة عدوان فلاديمير بوتين.
في هذا السياق، تناول ستارمر هذا السؤال خلال جلسة “الأسئلة الموجهة إلى رئيس الوزراء” الأربعاء الماضي، عندما طرحته عليه زعيمة حزب “المحافظين” الجديدة كيمي بادينوك.
فالحال أن المملكة المتحدة تخصص حصة من دخلها القومي للنفقات الدفاعية تفوق تلك التي تنفقها أية دولة أخرى في حلف الناتو، باستثناء الولايات المتحدة، بيد أن حزب “العمال” وعد بزيادة هذا الإنفاق ليصل إلى 2.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، من دون أن يحدد إطاراً زمنياً لتحقيق هذا الهدف.
وبنظري، تتلخص خطة ستارمر في الانتظار لمراقبة ما إذا كان ترمب سينفذ تهديده ووعده المتزامنين بإنهاء حرب أوكرانيا منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة.
ومن جهته، يراهن زيلينسكي على أن ترمب سيتجنب أن يُنظر إليه على أنه “ضعيف” وعاجز عن ضمان استمرار تدفق الأسلحة، ولكن في حال نفّذ ترمب وعوده بوقف التمويل، فقد تترتب على ذلك مشكلة كبيرة.
ولو كانت بريطانيا لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، لأتيحت لها فرصة لإثبات ريادتها في وقت يبدو فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضعيفاً في بلاده، وفي لحظة تتداعى فيها حكومة أولاف شولتز في ألمانيا، وفي ظل الظروف الحالية، صدر عن فيكتور أوربان، الزعيم الهنغاري المؤيد لبوتين، الذي استضاف قمة “المجلس السياسي الأوروبي” الخميس الماضي، تعليق استفزازي، حث فيه الاتحاد الأوروبي على “مراجعة” مدى “استدامة” دعمه لأوكرانيا.
بيد أن التحدي الفعلي في مواجهة ترمب قد يظهر في حال كان جاداً في تنفيذ تهديده بإطلاق حرب تجارية من خلال زيادة التعريفات [الجمركية].
وقد تشكل [هذه الحرب] وسيلة مؤلمة لإعادة تعليم الناخبين البريطانيين دروساً في التجارة الحرة، وهي دورة لا بد من أن يمر بها الرأي العام بين الحين والآخر.
ومن ثم، من المعروف أن التعريفات الجمركية تحظى بشعبية في بعض الفترات، إذ تُعتبر أداة لحماية الصناعات المحلية. لكن حين تدفع هذه الإجراءات بالأسعار إلى الارتفاع وظهور تدابير مضادة من جهتها ترفع الأسعار أكثر، يبدأ الرأي العام باستيعاب فوائد التجارة الحرة وفهم أهميتها.
وبدوره، يختبر الرأي العام الأميركي هذه الدورات بين الحين والآخر، ذلك أن جميع المرشحين للرئاسة يتعهدون بتقديم وعود بالتدابير الحمائية أثناء حملاتهم الانتخابية، لكنهم غالباً ما يعودون ليعتمدوا سياسات أكثر براغماتية في الحكومة. وبالفعل، حتى ترمب كان أقل حمائية مما زعم خلال فترة ولايته الماضية في البيت الأبيض.
لكن في حال أطلق ترمب حرباً تجارية تؤدي إلى كساد عالمي، فقد يمنح ذلك مبرراً أكبر لتخفيف القيود التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وعند هذه النقطة، سيكون ستارمر قادراً على تجاوز أي تردد في التطرق إلى ما قد يُنظر إليه على أنه “بداية لإنهاء مفاعيل اتفاقية بريكست”.
بل أكثر، قد يكون من المفيد أن نتوقف للحظة ونتمنى حتى حدوث تدهور تجاري عالمي، كي نعيش لحظات مثيرة للسخرية، يُسهم خلالها ترمب في دفع بريطانيا للعودة إلى أحضان الاتحاد الأوروبي.

التعليقات معطلة.