نسمع كثيراً عن قدرة التغذية في إحداث فارق في صحتنا الجسدية. إذ تساعد بعض الأطعمة في تعزيز المناعة والحفاظ على الصحة، فيما تؤثر أخرى في زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض على اختلافها.
تسلّط دراسة جديدة الضوء على دور البروتينات الغذائية في دعم صحة الجهاز المناعي داخل الأمعاء الدقيقة. فقد اكتشف باحثون أن بعض البروتينات الموجودة في الطعام تؤدي دوراً حاسماً في تنظيم الاستجابة المناعية في الأمعاء الدقيقة. ويُعتبر ذلك أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
وقد اكتشف فريق من الباحثين في اليابان، أن بعض البروتينات الغذائية كتلك الموجودة في الحليب، يمكن أن تساعد في الوقاية من تكوّن الأورام الخبيثة في الأمعاء الدقيقة، وفق دراسة جديدة تناولها تقرير نشره موقع India Today.
المناعة في الأمعاء
تعدّ الأمعاء الدقيقة من المواقع الرئيسية التي تنشط فيها المناعة، إذ تتفاعل باستمرار مع مواد غريبة على الجسم مثل الطعام والبكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى. وبالتالي، فإن الحفاظ على وظيفة مناعية سليمة في هذه المنطقة أمر أساسي في “تدريب” جهاز المناعة على التمييز بين المكونات الضارة والمفيدة، مثل العناصر الغذائية والبكتيريا النافعة. ويسهم ذلك في تنظيم عمل جهاز المناعة ضدّ الأمراض، ويعزز انضباطه بما يحول دون حدوث حالات التهابية قد تتأتى من ردّ فعل مناعي خاطئ أو مبالغ فيه، كما يحصل الروماتيزم ومرض “كرون” والصدفية وغيرها. ويُضاف إلى ذلك، أن اضطراب عمل المناعة يسهّل تكوّن الأورام الخبيثة، ويُضعف القدرة على مقاومتها.
وكذلك، أظهرت الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة Frontiers in Immunology كيف تتولى هذه البروتينات تنشيط الجهاز المناعي لوقف تطور الأورام الجديدة.
تنشيط الخلايا المناعية
يحتوي الحليب والفول السوداني والبيض وغيرها من الأطعمة الشائعة، على مواد قد تتسبب في ردود فعل تحسسية. وتسمّى تلك المواد “المستضدات الغذائية” Food Antigens . وتتعرف أجسادنا على تلك المستضدات بوصفها مكونات غريبة، ويتحرك جهاز المناعة ضدّها.
وفي وقت سابق، اكتشف الفريق الذي نهض بالدراسة الجديدة تحت قيادة هيروشي أونو من “مركز ريكن للعلوم الطبية التكاملية”، أن المستضدات الغذائية يمكن أن تنشط الخلايا المناعية في الأمعاء الدقيقة، ولكن ليس في الأمعاء الغليظة.
وفي دراستهم الأخيرة، سعى الفريق إلى التأكّد من مدى مساعدة البروتينات الغذائية في وقف نمو الأورام في الأمعاء الدقيقة.
في تجاربهم، استخدم الباحثون فئراناً تحمل طفرات جينية تجعلها عرضة لتطوير الأورام في الأمعاء، وهي حالة مشابهة لما يحدث في البشر .
والنتيجة؟ وجدوا أن الفئران التي تناولت نظاماً غذائياً عادياً انخفض تكوّن الأورام في أمعائها الدقيقة، بالمقارنة مع تلك التي تناولت مآكل خالية من المستضدات الغذائية. ومع ذلك، جاء عدد الأورام في الأمعاء الغليظة متساوياً في المجموعتين كليهما.
وتكرّر الأمر نفسه مع بروتين أساسي موجود في اللحوم والبيض.
ماذا يعني ذلك؟ إن وجود المستضدات الغذائية يُعتبر من العوامل الرئيسية المهمّة في الوقاية من الأورام.
استجابة مناعية أقوى
كذلك أظهرت الدراسة نفسها أن الاستجابة المناعية، ظهرت بشكل أقوى عند الفئران التي تناولت المستضدات الغذائية مقارنة بتلك التي لم تتناولها.
واعتُبِر ذلك دليلاً على الدور الحيوي للبروتينات الغذائية في الحفاظ على جهاز مناعي صحي في الأمعاء الدقيقة.
وقد تكون لهذه النتائج تداعيات مهمّة على بعض الحميات الغذائية الطبية. إذ تعتمد بعض الحميات طريقة الاقتصار على تناول سوائل متخصصة وسهلة الهضم توفر العناصر الغذائية في أبسط صورها، مثل الأحماض الأمينية، السكريات، والدهون، لكنها لا تحتوي البروتينات الكاملة. وتُستخدم عادة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات هضمية شديدة مثل مرض “كرون”، مما يسمح للأمعاء بالراحة مع استمرار الحصول على العناصر الغذائية الأساسية.
في المقابل، تشي الدراسة، بأن غياب البروتينات الأساسية كتلك الموجودة في اللحوم والحليب، قد يجعل ممن يتبعون تلك الحميات في موضع خطورة أكبر للإصابة بأورام الأمعاء الدقيقة.