يترقب العراقيون بفارغ الصبر نتائج التعداد العام للسكان المرتقب، والمقرر إجراؤه لأول مرة منذ عشرين عامًا، وسط تساؤلات حاسمة: ماذا يمكن لهذا التعداد أن يكشف عن التغيرات الديموغرافية، الاجتماعية، والاقتصادية التي شهدها العراق خلال هذه الفترة ؟ والأهم، هل يمكن اعتبار هذا التعداد أداة لإصلاح الخلل في السياسات، أم أنه مجرد خطوة أخرى لتوثيق الواقع المتدهور ؟
خلفية عقدين من التدهور
منذ عام 2003، دخل العراق في مرحلة انتقالية اتسمت بالفوضى السياسية، الصراعات المسلحة، والفساد المالي والإداري. غياب التعداد السكاني خلال هذه الفترة كان انعكاسًا مباشرًا لحالة عدم الاستقرار؛ فقد استُبدلت المعطيات الدقيقة بالتقديرات والاجتهادات التي غالبًا ما كانت تُستخدم لخدمة مصالح سياسية ضيقة .
تشير التقارير إلى تغييرات جوهرية في البنية السكانية؛ تزايد معدلات الهجرة، سواء الداخلية أو الخارجية، تصاعد نسب الفقر، وارتفاع معدلات البطالة. إضافة إلى ذلك، أدت الصراعات الطائفية والعرقية إلى إعادة تشكيل التركيبة السكانية في بعض المناطق.ط .
ما الذي يمكن للتعداد أن يكشفه؟
1. النمو السكاني وتوزيع السكان . سيعطي التعداد تصورًا واضحًا عن معدلات النمو السكاني وتوزيع السكان بين الريف والمدن، خاصة في ظل الهجرة المكثفة نحو المراكز الحضرية بحثًا عن الأمان والعمل.
2. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية . ستكشف البيانات عن مدى تأثير العقوبات الاقتصادية والصراعات على مستوى معيشة المواطن العراقي.
3. التحولات الديموغرافية: يمكن للتعداد أن يظهر التغيرات في التركيبة العرقية والطائفية نتيجة التهجير القسري والصراعات المسلحة .
4. احتياجات التنمية: ستساعد البيانات في تحديد المناطق الأكثر احتياجًا للتنمية، سواء من حيث البنية التحتية أو الخدمات الأساسية .
هل سيغير التعداد الواقع؟
رغم أهمية التعداد، يبقى السؤال الأهم: هل ستُستخدم نتائجه لإجراء إصلاحات جذرية، أم ستُضاف إلى رفوف الوثائق المنسية؟ العراق بحاجة إلى إرادة سياسية قوية للاستفادة من هذه البيانات لتخطيط استراتيجي يُعالج أوجه القصور ويدفع نحو تنمية مستدامة.
التحديات والمخاوف
التسييس . هناك تخوف من استخدام نتائج التعداد لتعزيز مكاسب سياسية أو طائفية، بدلًا من تسليط الضوء على احتياجات المواطنين .
النزاهة . في ظل الفساد المستشري، هناك شكوك حول دقة تنفيذ التعداد وشفافية نتائجه .
التنفيذ الميداني. الوضع الأمني المتوتر في بعض المناطق قد يعيق الوصول إلى بيانات شاملة.
التعداد العام للسكان يمثل فرصة تاريخية للعراق لمواجهة الحقائق، ولكنه أيضًا اختبار للإرادة الوطنية. بعد عشرين عامًا من الفشل في إدارة الملفات الأساسية، هل يمكن للتعداد أن يكون خطوة نحو تصحيح المسار ؟ أم أنه سيكون مجرد تأكيد آخر على الفجوة بين المواطن والدولة ؟ الأيام القادمة ستجيب عن هذا السؤال، ولكن المؤكد أن النتائج ستعكس وجه العراق المأساوي الذي تشكل خلال عقدين من الزمن .