منذ عام 2003، تشكل النظام السياسي العراقي على أسس توافقية أُريد لها أن تكون ضمانة لاستقرار البلاد، لكنها سرعان ما تحولت إلى مصدر للضعف والهشاشة. فالتحاصص الطائفي والإثني، وغياب المشروع الوطني الموحد، إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية، جعلت العراق عرضة لضغوط مركبة تفوق قدرة النظام على مواجهتها .
الضغوط الداخلية: تحديات متفاقمة
1. الأزمة الاقتصادية:
يواجه العراق أزمة اقتصادية خانقة رغم موارده النفطية الهائلة. الفساد المستشري وسوء الإدارة المالية جعلا من عائدات النفط مصدرًا لتمويل النخب الحاكمة، بينما يعاني المواطن العراقي من تردي الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة .
2. الاحتجاجات الشعبية:
تصاعدت الاحتجاجات الشعبية خلال السنوات الأخيرة، مطالبة بإصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل. هذه الاحتجاجات تُشكل ضغطًا مباشرًا على النظام الذي يعتمد على أدوات القمع والتسويف لاحتوائها، ما يزيد من حالة الغضب الشعبي .
3. ضعف المؤسسات:
مؤسسات الدولة في العراق تُعاني من الترهل وانعدام الكفاءة، ما جعلها عاجزة عن توفير الخدمات أو فرض القانون. هذا الضعف ساهم في انتشار الفصائل المسلحة التي أصبحت بديلًا فعليًا عن الدولة في بعض المناطق .
الضغوط الخارجية: ساحة للصراعات الإقليمية والدولية
1. التدخل الإيراني:
يعد العراق ركيزة أساسية في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية، حيث تعتمد طهران على الفصائل المسلحة العراقية كأذرع لتحقيق أهدافها. هذا التدخل يعمق الانقسام الداخلي ويضع العراق في مواجهة مباشرة مع القوى الإقليمية والدولية.
2. التوتر مع إسرائيل:
مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد إيران وأذرعها في المنطقة، قد يجد العراق نفسه ساحة لمواجهة غير مرغوبة، ما يُعرض أمنه واستقراره لخطر كبير .
3. الضغوط الأمريكية:
رغم انسحابها العسكري الجزئي، لا تزال الولايات المتحدة تضغط على الحكومة العراقية لتقليص نفوذ إيران والفصائل المسلحة، ما يضع النظام في موقف صعب بين ضغوط الداخل والخارج .
الهشاشة السياسية: السبب والنتيجة
النظام السياسي العراقي هش بطبيعته، نتيجة التوافقات الهشة التي أُسِّس عليها. فالتحالفات السياسية قائمة على المصالح الطائفية والعرقية، وليس على برامج وطنية موحدة. هذا الهيكل يجعل النظام غير قادر على مواجهة الضغوط المركبة، إذ يتمحور جهده حول الحفاظ على توازنات داخلية ضيقة بدلًا من بناء دولة قوية ومستقلة .
خيارات النظام: بين الإصلاح والانهيار
1. الإصلاح الحقيقي:
النظام بحاجة إلى خطوات إصلاحية جريئة تشمل إنهاء نظام المحاصصة، محاربة الفساد، وتقوية المؤسسات الوطنية. لكن هذا الخيار يصطدم بمصالح النخب السياسية التي تستفيد من الوضع الحالي.
2. الاستمرار في المراوحة:
قد يختار النظام الاستمرار في المراوغة السياسية والاعتماد على الدعم الخارجي، لكن هذا الخيار يزيد من الغضب الشعبي ويُسرِّع الانهيار .
3. التغيير الجذري:
يلوح في الأفق احتمال قيام ثورة شعبية أو انتفاضة كبرى تُجبر النظام على التغيير أو تُطيح به بالكامل، لكن هذا السيناريو قد يُدخل البلاد في فوضى جديدة ما لم يُدار بشكل صحيح .
العراق يواجه ضغوطًا متداخلة ومركبة، داخليًا وخارجيًا، تفوق قدرة نظامه السياسي الهش على التعامل معها. النظام أمام منعطف حاسم، فإما أن يتبنى إصلاحات حقيقية تُعيد بناء الدولة على أسس وطنية متينة، أو يستمر في المراوحة حتى تصل الأزمات المتراكمة إلى نقطة الانفجار. في كلتا الحالتين، يبدو أن العراق ماضٍ نحو مرحلة جديدة من التحديات التي ستحدد مستقبله لعقود قادمة .