صفقة اردوغان البشير المفاجئة: سواكنى عثمانى.. رقعة شطرنج مصريه تركيه

1

 
ياسر رافع
لا أدرى حالة الفزع وتهييج الجماهير وتأليب المشاعر التى تتبعها وسائل الإعلام المصريه أينما حل الرئيس التركى ” رجب طيب أردوغان ” فى منطقتنا العربيه ووصفه بأبشع النعوت والصفات ، فى مقابل من يرى على وسائل التواصل الإجتماعى بأنه المخلص الذى سيرجع الخلافه الإسلاميه إلى سابق عهدها ، لكن ما وراء زيارات الرئيس التركى للمنطقه العربيه أبعد وأخطر بكثير من صخب إعلامى ، وأوهام خلافه يعلم مردديها أن الخلافه الجامعه سقطت فى العصر العباسى التانى ، ولم تكن دولة الخلافه العثمانيه إلا حلقه من حلقات عصر الدويلات الإسلاميه التى سادت فى القرون الوسطى والتى ورثت الإسم ولم ترث المضمون . إن ما يحدث لا يعدو كونه صراع على رقعة شطرنج بطول وعرض المنطقه العربيه وجوارها الشرق أوسطى .
الدوله تركيا وريثة الإمبراطوريه العثمانيه تعيد إستخدام نفس أدوات الزمن الماضى لتبرير سياساتها الحاليه بل وإستخدام نفس التكتيكات ، فقديما ومع إصطدام الدوله العثمانيه بأسوار فيينا التى أوقفت طموحها وحلمها بالسيطره على كامل أوروبا ، رأت أن تعوض فشلها تحت أسوار فيينا بالتوجه شرقا فحاولت السيطره على الدوله الصفويه ” الشيعيه ” ولكنها فشلت ففكرت فى ميراث الدوله المملوكيه ” السنيه ” التى لولا الخيانه لما كانت السيطره والسقوط وتمددت الخلافه العثمانيه وسيطرت على كامل الوطن العربى .
ومع تحرر الدول العربيه من إرث الإحتلال العثمانى وإنهيار دولة الخلافه وتقزمت اراضيها إلى حدودها الطبيعيه وأصبحت تركيا الحديثه العلمانيه الوريثه الشرعيه لها وحددت لنفسها وجهه واحده صوب أوروبا فى محاوله للإندماج فى المجتمع الأوروبى المسيحى وأدارت ظهرها للدول الإسلاميه فى المشرق ، ولكن مع توالى السنوات الطوال وتركيا لا تزال تتنظر أن يسمح لها بالدخول إلى النادى المسيحى ” الإتحاد الأوروبى ” ولكن دون جدوى .
هنا أيقنت تركيا أن أسوار فيينا لا تزال عالقه فى أذهان الأوروبيين وأنهم لن يسمحوا لها بالإنتساب إليهم ، وكما فكرت دولة الخلافه العثمانيه ، فكرت تركيا الحديثه وأتجهت شرقا لتعوض فشلها الأوروبى وتقريبا بنفس الإستراتيجيه والتكتيكات المتبعه ، فها هى لا تعتبر إيران وريثة الدوله الصفويه الشيعيه خطرا بقدر ما ترى فى الربيع العربى وثورات شعوبه فرصه لن تعوض لتعويض ما فاتها ومحاولة ميراث دول ومنطقه ترى أنها الأحق بها وتزاحم الدوله الغربيه ” الصليبيه ” على الميراث ، لهذا نراها ترفض قيام دولة الأكراد السنيه ، وتقوم بتقويه النزاعات العربيه بين الأشقاء السنه فى الخليج ولكن دون التحرش بإيران لأنها لا تعنيها فى محاولاتها للسيطره على مصادر الثروه فى المنطقه العربيه .
ولم تكن زيارة الرئيس التركى للسودان إلا حلقه جديده فى الصراع العربى_التركى ، وخاصة مصر وريثة الدوله المملوكيه التى ولسخرية القدر هى الدوله الوحيدة الباقيه وسط الركام العربى أمام النفوذ التركى
كما السابق . صراع مصالح تركيه تتقاطع مع المصالح العربيه وسط صخب إعلامى تركى مدعوم بتيارات سياسيه عربيه يبشر بزمن الخلافه ، وخليفه تركى يختار بعناية الأماكن التى ينزل ويتحرك فيها والتى تعطى إشارات بأننا قادمون لا محاله وأننا كنا هنا ، وخير مثال على ذلك الإعلان فى السودان عن إعطاء الرئيس السودانى لتركيا حق إدارة جزيرة ” سواكن ” على البحر الأحمر . لكن لماذا سواكن ؟
سواكن جزيره تعتبر بوابة شرق السودان على الساحل الشرقى للسودان كانت دائما محور صراع بين الدول التى تسيطر على السودان والبحر الأحمر ، وتبادلت تركيا مصر السيطره على سواكن قديما وحديثا لأهميتها الإستراتيجيه وذلك قبل أن تفقد أهميتها بحفرقناة السويس ، لكن أهميتها رجعت مرة أخرى بسبب الرغبة التركيه فى الرد على إخراجها من معادلة غاز شرق المتوسط على يد مصر واليونان خصماها اللدودين قديما وحديثا ، فسواكن ستجعل لتركيا موطأ قدم فى خاصرة مصر وبالقرب من مصالحها الإستراتيجيه فى أفريقيا فى منابع النيل ، وقريبه من مدخل قناة السويس ، وعلى حدود التماس فى النزاع المصرى السودانى فى حلايب وشلاتين ، وتدعيم لوجود تركى فى البحر الأحمر وسط الكبار من الدول الكبرى .
” سواكنى عثمانى ” هكذا سمى العثمانيين جزيرة سواكن التى أتاحت لهم قديما السيطره على البحر الأحمر ، ولهذا فالوجود التركى فى تلك المنطقه سيهدد النفوذ العربى مباشرة فى السعوديه ومصر ، الذى يأتى محملا بخيبة أمل كبيره من فشل محاولاته فى أوروبا ، وفشله فى السيطره على مقدرات المنطقه العربيه خلال ثورات الربيع العربى فى مقابل إجادته لعبة شطرنج الأمم . فهل نجد طريقه جديده للتعامل مع النفوذ التركى المتنامى الذى يعيد ذكريات أليمه فى الوجدان العربى
وتبقى كلمه ، تركيا شأنها شأن كل الدول الأخرى الطامعه فى المنطقه العربيه لهذا وجب التعامل معها من منطق الصراع الطبيعى والمصالح المتقاطعه بعيدا عن لغة صخب إعلامى تعمى الأبصار والتى تعبر عن عدم قدره على إنتاج لغة خطاب عصرى يخاطب شعب يريد المستقبل . إننا نريد دوله قويه تخاطبنا بلغة المصالح وتكون حركتها على الأرض تؤكد ذلك .

التعليقات معطلة.