منذ بداية وعيك، تبدأ بالتوجّه إلى العمل، شأت أم أبيت. أحلامك تبنيها بعملك، ولعلها تبدأ بسؤال بسيط يتردد على مسامعك منذ صغرك :”ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟”. تتعلّم في المدرسة لتدرس مجالاً يؤسس عالمك المهني المستقبلي. وسواء أكنت فقيراً، أم ثرياً، ستسلك المسار نفسه…العمل.
للعمل أبعاداً عدة لا ينظر إليها الناس. ففيما يتصدّر المردود المادي هذه الأبعاد، لما له من أهمية حياتية معيشية، تأتي أبعاداً أخرى، معنوية ونفسية للعمل، تشكّل جوهر الاندفاع إليه والاستمرارية فيه، من حيث لا تدري. فمثلاً الأثراء ليسوا بحاجة للمال، لكنّهم بحاجة إلى تحقيق أهداف تلبية لجوانب نفسية ومعنوية في حياتهم، يجدونها في عملهم. ويساعدك العلم في بناء شخصيتك وحضورك وكينونتك ومكانتك بين محيطك ومجتمعك. يعزز وجودك تحقيقاً للهدف الذي جئت من أجله على هذه الدنيا.
وبيّنت أنّ إشباع الاحتياجات النفسية يعزز الدافع الذاتي ويؤدي ذلك إلى خلق نتائج إيجابية . هناك أدوار للكفاءة والاستقلالية والارتباط الاجتماعي، فضلاً عن المواقف الاجتماعية والقيم الثقافية على الدافع للعمل.
عملك يعطي معنى لحياتك!
آن ماري حنا فياض- معالجة نفسية
يرتبط عمل الشخص في الحياة بوجوده فيها. ويتمثل القصد الأساسي من العمل في الحياة بأن يمتلك للإنسان هدفاً يعمل من أجله، سواء لإنجازه في عمله اليومي أو لتحقيقه كهدف طويل الأمد يعمل من أجله كل يوم.
ولا بد للفرد أن يشغل نفسه بعمل ذو مردود، أو يمارس هوايات أو نشاطات قد لا تعيد عليه مردوداً مادياً. وفي حال توقف الشخص عن النهوض بأي عمل، فستتراكم لديه مشاعر سلبية، وقد يدخل في حالات اكتئاب.
إن الأشخاص الذين يستيقظون ودماغهم خلوٌ من أي هدف يسعون إلى تحقيقه، لا يشعرون بقيمتهم ومعنى وجودهم في هذه الحياة، ويشعرون بالإحباط والتوتر. ومثلاً، حينما التزم الناس منازلهم خلال فترة الإقفال التام في جائحة كورونا، وجدوا أنفسهم دون من عمل أو نشاط يشغلهم، حتى أنهم لم يضطروا إلى تغيير ملابس المنزل، ما ولّد لديهم حالات اكتئاب وإحباط. وفي غياب ما يحفّز على السعي في الحياة، يشعر الشخص بحالة ضياع.
وبالضد من ذلك، حينما يؤدي المرء عمله ويسعى إلى تحقيقه أهدافه، فلسوف أصداء إيجابية تُزيد رضاه عن نفسه، وتُعزز وجوده بين محيطه ومجتمعه، وتُبلوِر معنى لحياته.
وفي بُعدِ آخر، إنَّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته. ولأن العمل يتطلب تواصلاً مع أفراد ومجتمعات عدة، فإنّه يترافق مع تفاعل يصبّ أيضاً في تحقيق جزء أساسي من وجود الإنسان على الأرض.
السعي مهم في مواصلة العمل على تحقيق الهدف، وإلّا لترك الأشخاص طموحهم وأفكارهم في منتصف الطريق. هناك أشخاصاً كسولين وغير متحفزين ولا يحبّون التعب ولا يجدون الجانب الإيجابي من العمل سوى أنّه مدخل لموارد مالية تمكّنهم من الإنفاق.
الشخص الاتكالي، وضعه يرتبط أحياناً بحالة من الاكتئاب. وهناك أشخاصاً يشعرون بأنهم عاجزين عن الإنجاز وهذا مرتبط أيضاً بعدم تقدير الذات وغياب الثقة بالنفس.
اعمل ما تحب!
نادين عز الدين- مدربة حياة
لا يقدر الجميع على أن يحب عمله. وفي الوضع المثالي، يؤدي الفرد عملاً يحبه ولا يشعر أنه مرغم عليه، بل يشعر بالسعادة عبر إنجازه. وبالتالي، سيميل إلى تكرار دائرة العمل والسعادة، مما يسهم أيضاً في انغراسه في المكان من خلال إبداعه ومهاراته.
في المقابل، حينما ينخرط الإنسان في عمل يحبّه لكنه لا يعود عليه بمردود كافٍ، أو إذا أدى المرء عملاً لا يحبه لكنه مجزٍ مادياً؛ قد يغدو ضرورياً اللجوء إلى أعمال موازية أو إضافية كي يتحقق التوازن في حياته.
وهناك أشخاص لا يعرفون ما يحبون أن يعملوا في هذه الحياة. ندعوهم للعمل على قيمهم المهمة وأهدافهم الخاصة، وليس تلك التي أوكلتها إليهم ظروفهم. وبمعنى آخر، يتوجب عليهم أن يكتشفوا أنفسهم أولاً.
وكخلاصة، تعزز الصحة النفسية للفرد عبر العمل، سواء أكان مربحاً أو غير ذلك. وينطبق ذلك على ربات المنازل اللواتي يتحمّلن مسؤولية أولادهن ولديهن أهدافاً منزلية وأسرية يردن تحقيقها في حياتهن.