الإرادة الدولية وملامح التغيير الناعم في العراق

15

 

ينصب الاهتمام الأمريكي حاليا لقيادة تغيير ناعم في العراق يأتي مكملاً لتغيير المعادلة الاقليمية في المنطقة التي تاسست في عام 1979 وانتهت اليوم بتقليص النفوذ الايراني وتكسير اذرعه . الامر الذي يعكس السياسة التقليدية للولايات المتحدة في إدارة التغيير بشكل يضمن مصالحها الاستراتيجية ويمنع أي فوضى قد تعيق هذه المصالح . هذا النهج يرتبط بشكل مباشر بسعي الولايات المتحدة لتجنب تكرار سيناريوهات الفوضى التي حصلت في دول أخرى، والتي أدت إلى ظهور قوى مناهضة لها أو توسع نفوذ قوى إقليمية كإيران .

زيارة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للمرجع السيد السيستاني تعكس تنسيقًا دوليًا حول العراق .
المرجعية الدينية في النجف، بقيادة السيد السيستاني، تُعتبر لاعبًا محوريًا في ضبط التوازنات داخل العراق. الولايات المتحدة ترى أن كسب دعم المرجعية أو على الأقل ضمان حيادها، أمر ضروري لإتمام أي عملية تغيير .
يمكن أن تكون هذه الزيارة بمثابة رسالة لضمان أن التغيير القادم يحترم خصوصية الشعب العراقي، مع انهاء النفوذ الإيراني .
السيناريوهات المتوقعة:
إصلاح تدريجي: دعم حكومة تكنوقراطية أو شبه مدنية تقود البلاد نحو استقرار اقتصادي واجتماعي، مع تلاشي سلطة الأحزاب المسلحة والفصائل .
دور دولي أوسع:
تعزيز دور الأمم المتحدة لضمان عملية انتقال سياسي تُرضي مختلف الأطراف العراقية والإقليمية .

ان التحولات السياسية وإلاستراتيجية التي شهدتها المنطقة قد تفضي إلى تغيير ملموس في شكل النظام الحالي وطريقة الحكم، وفي قلب هذه التحولات تكمن الإرادة الدولية التي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل مسارات التغيير. مع تصاعد التدخلات الدولية وازدياد الاهتمام من القوى الكبرى، تتشكل ملامح “التغيير الناعم” الذي يهدف إلى تقويم الوضع الداخلي دون اللجوء إلى تغييرات جذرية قد تؤدي إلى عدم الاستقرار .
التدخلات الدولية: صانع القرار الخفي
منذ غزو العراق في 2003، فرضت الدول الكبرى – خصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا – نفوذًا كبيرًا على المشهد العراقي، وهو ما غير جذريًا من ملامح الحكم والسياسة في البلاد. إلا أن التحولات الأخيرة تشير إلى أن هذه القوى قد بدأت تركز على إشراك أطراف أخرى، وخاصةً الحركات الشعبية في الداخل العراقي، ضمن عملية التغيير .
ان الإرادة الدولية، على الرغم من تباين مصالحها، تسعى لتحقيق استقرار يتماشى مع مصالحها الإستراتيجية، وفي الوقت ذاته تبتعد عن الحلول العسكرية أو التدخلات المباشرة التي قد تهدد النظام الدولي القائم. من هنا، ظهرت “التغيير الناعم” الذي يرتكز على تغيير السياسات من الداخل، بما يشمل إصلاحات في المؤسسات، تعزيز الحوكمة الرشيدة، ومحاربة الفساد .
التغيير الناعم: أدواته ووسائله
يتجسد التغيير الناعم في العراق عبر عدة وسائل، أبرزها:
1. الضغط الدبلوماسي: تمارس القوى الدولية ضغطًا على الحكومة العراقية عبر القنوات الدبلوماسية، بهدف دفعها نحو تبني سياسات تصب في صالح استقرار البلاد. تشمل هذه السياسات تعزيز الشفافية، إصلاح القضاء، وتقليل النفوذ الإيراني في العراق .
2. الدعم الاقتصادي: تسعى الدول الكبرى إلى تقديم الدعم المالي والفني لإصلاح الاقتصاد العراقي، بما يعزز من استقلاليته المالية ويخفف من تبعيته للنفوذ الإيراني. هذه المبادرات تشمل تحسين بيئة الأعمال، إنشاء مشاريع تنموية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
3. تشجيع الحركات الشعبية:
على الرغم من الصعوبات، تستمر الحركات الشعبية في العراق في المطالبة بتغيير جذري، وهو ما يلقى دعمًا من القوى الدولية التي ترى في هذه الحركات فرصة لإحداث تحول تدريجي في النظام. ومن أبرز هذه الحركات تلك التي تدعو إلى حكم مدني بعيد عن الطائفية والفساد .
إن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة يمكن أن تكون أكثر فاعلية إذا ما اعتمدت على دعم القوى الشعبية والأفراد الذين يسعون إلى بناء عراق جديد، بعيدًا عن الفساد والمحاصصة الطائفية. هذا لا يعني التقليل من أهمية التعاون مع الحكومة العراقية في الوقت الراهن، ولكن التركيز يجب أن يتحول نحو دعم حركات التغيير والشخصيات السياسية الوطنية التي تعمل على تحويل العراق إلى دولة حرة ومستقلة قائمة على العدالة والمساواة .

الولايات المتحدة أمام فرصة استراتيجية لبناء علاقة جديدة مع العراق، علاقة تقوم على مصالح الشعبين وليس على اساس مصالح الحكومات وحسابات سياسية ضيقة .ويجب تجاوز الأحزاب الحالية، التي أثبتت فشلها، وإيجاد شراكة حقيقية مع الشعب العراقي، فإن ذلك يمكن أن يسهم في إعادة بناء العراق بشكل أكثر استقرارًا وأقل عرضة للتدخلات الخارجية. هذه العلاقة يجب أن تقوم على شراكة حقيقية تهدف إلى تحقيق مصلحة الشعب العراقي، وحمايته من الهيمنة الحزبية التي عرقلت تطوره، وضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، التي لا يمكن تحقيقها إلا في بيئة عراقية مستقرة ومزدهرة .
إن التغيير الناعم في العراق ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة ملحة. وإذا كان هذا التغيير سيضمن أمن العراق واستقراره، فإنه يجب أن يبدأ بتجاوز القوى السياسية الحالية المرتبطة بايران، والعمل على بناء علاقة بين العراق والولايات المتحدة تقوم على أسس حقيقية من التعاون والاحترام المتبادل لمصالح الشعبين .
التغيير الناعم” قد يكون هو السبيل الواقعي لتحقيق تحولات تدريجية في النظام السياسي العراقي، شريطة أن يتم التوافق بين القوى الدولية والمحلية الوطنية الخيرة على مسار متفق عليه يعزز من بناء دولة مدنية قوية ومستقرة .

العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة، إذا بُنيت على:
التعاون الاقتصادي المستدام .
تعزيز الاستقلال السياسي للعراق.
العمل المشترك على ملفات الأمن والاستقرار الإقليمي .

التعليقات معطلة.