فيروسات خطيرة اختفت من مختبر أسترالي ومخاوف من استخدامها كأسلحة بيولوجيّة

1

داخل “مختبر علم الفيروسات في الصحة العامة”  Public Health Virology Laboratory في ولاية “كوينزلاند” الأسترالية،  حصل أمر لطالما هجس كثيرون بالخشية منه.  إذ اختفت 323 عينة تحتوي فيروسات خطيرة. ولا تزال التحقيقات بشأنه مستمرة.

داخل “مختبر علم الفيروسات في الصحة العامة” 

Public Health Virology Laboratory في ولاية “كوينزلاند” الأسترالية،  حصل أمر لطالما خشي كثيرون منه.  إذ اختفت 323 عينة تحتوي فيروسات خطيرة، تملك قدرة عالية على الفتك بمن تصيبهم من البشر. ولا تزال التحقيقات في شأنه مستمرّة. إن ما نتحدّث عنه ليس مستوحى من فيلم خيالي ولا من قصة أدبية، ما حصل يعتبر “خرقاً كبيراً” للسلامة البيولوجية، والسيناريوهات مفتوحة على احتمالات كثيرة.

وتنتمي فيروسات العينات المفقودة إلى فئة تعرف بأنها تعيش وتنتشر  بين الحيوانات ولا تصيب البشر إلّا نادراً. وأول تلك الفيروسات هو “هندرا” Hendra  الذي لم يصب به تاريخياً من البشر بسوى سبعة أشخاص، لكنّه فتك بـ57 في المئة منهم، والثاني هو “هانتا” Hanta الذي يسبب التهابات رئوية تقضي على 38 في المئة ممّن يعانوها، والثالث هو “ليسسا” Lyssa الذي يعتبر من أشكال داء الكَلَبْ، وينقل من الحيوانات الثديية إلى البشر، ولا يتوفر أيّ علاج معروف له!

وقد أُعلن أخيراً عن ذلك الحدث الذي تضمن أن اختفاء تلك العينات  جرى على مدار عامين، لكنه لم يوثق إلّا في صيف العام 2023. ولكن كيف حصل ذلك؟

 

 

وأشارت مواقع علمية كثيرة تناولت ذلك الحادث الخطير، إلى التداعيات المحتملة المترتبة على فقدان عينات من فيروسات خطيرة، بما في ذلك إمكانية استخدامها  في تصنيع أسلحة بيولوجية أو التسبب في جائحة عالمية جديدة، أو حتى المنافسة الشديدة بين المختبرات المفتوحة وشركات الأدوية وغيرها. في المقابل، أكدت السلطات الأسترالية أن أيّاً من هذه السيناريوهات لم يحدث خلال الفترة الزمنية الممتدة بين فقدان عينات الفيروسات في 2021 وحتى الإعلان عنها قبل أربعة أيام.

 

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الحادثة. وعلى مدار القرن الماضي، سلّط عدد من الحوادث الضوء على المخاطر المرتبطة بتعامل المختبرات مع مسبّبات الأمراض الخطيرة، ما يعني أن تسرّباتها ليست من الأمور النادرة الحدوث، بحسب ما قد يتصور بعض الناس.

وفي ذلك السياق، نشر موقع “دايلي ميل” خريطة تفاعلية جديدة توثق تلك الحوادث، وتكشف  عن الأخطاء الأمنية البيولوجية والحوادث القريبة من الكوارث حول العالم، مع تسليط الضوء على مجموعة من أكثر الحوادث واللحظات الصادمة في تاريخ تسربات المختبرات. وسنكتفي بتعداد الحوادث سريعاً، مع الوعد بالعودة إليها مرة أخرى في مقال أكثر تفصيلاً.

 

وتشمل قائمة أهم حوادث تسرب لفيروسات أو بكتيريا،  من المختبرات،أو اشتباه بذلك،  شلل الأطفال (اخرها في 2017 في هولندا)، وكوفيد (2019، رغم عدم الحسم القطعي بشأن ذلك)، والحمى القلاعية (2007، من مختبر في بريطانيا)، والالتهاب الرئوي الحاد “سطارس” (2004)، والحمى المالطية [ربما أكبر تسرب مرضي مؤكد في التاريخ، متمثلاً بـ”حادثة لانتشو” للعام 2019، في الصين. تسربت البكتيريا من منشأة لإنتاج لقاحات ضدّ البروسيلا التي تسبب الحمى المالطية]، والأنثراكس [انتشر في حادثة “تشيرنوبيل البيولوجي” حينما تسرب من مختبر للأسلحة البيولوجية السوفياتية في العام 1979 وقتل ما لا يقل عن 66 شخصاً]، والجدري [تسرّب من مختبر في جامعة برمنغهام البريطانية في العام 1978وأدى إلى آخر حالة وفاة مسجلة بسبب ذلك المرض] وغيرها.

 

لماذا لم تفصح أستراليا عن الحادثة سابقاً؟

نسأل الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور عبد الرحمن البزري عند خطورة ما حصل في أحد المختبرات في أستراليا، ونغوص معه أكثر حول مخاطر هذا التسرب واحتمالاته وتفسيراته.

 

برأي البزري أن الخطر الحقيقي الذي حصل ليس باختفاء هذه الكمية من الفيروسات التي مرّ عليها أكثر من عامين، وإنما عدم التصريح عن هذه الحادثة قبل اليوم، والخوف من أن يكون هناك دول أخرى في العالم تشهد مختبراتها المرجعية على تسرب للفيروسات من دون الإفصاح عن ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تسربت هذه الكمية الكبيرة من الفيروسات التي يجب أن تكون تحت رقابة مشددة ووفق شروط صارمة، من دون التصريح عنها عند حدوثها؟

 

ومع ذلك، يُطمئن البرزي بأن الموضوع لن يُشكل خطراً. ويستند في ذلك إلى أن اختفاء الفيروسات تعدّى السنتين ولم تُسجّل أستراليا نفسها أيّ معدّلات غير طبيعية أو زيادة في الإصابات بتلك الفيروسات الثلاثة المسربة. وهنالك نقطة إيجابية أخرى تتمثل بأن هذه الفيروسات تحتاج إلى درجات حرارة متدنية جداً في ثلاجات مخصصة لها، وبالتالي وجودها خارج تلك البرودة يجعل انتقالها صعباً، ويقضي عليها بسهولة وتصبح غير قابلة للحياة.

 

وكذلك يشير الاختصاصي في الأمراض الجرثومية أن انتقال هذه الفيروسات من شخص إلى آخر أمر صعب حدوثه، على خلاف الفيروسات المعدية الأخرى.  إلّا أنّها في المقابل تعتبر خطرة في حال أصابت الإنسان، وقد تكون قاتلة أحياناً كما هي مع فيروس “ليسا”.

 

وفي ردّه عن سؤال يتعلق برسبب وجود تلك المسببات المرضية الخطيرة في المختبرات العالمية، أوضح البرزي أن الأسباب تمتد من البحوث الضرورية عليها إلى اشتغال الدول على أسلحة بيولوجية. ونتذكر أن الجدري قُضي عليه في سبعينيات القرن العشرين، لكن مختبرات الدول الكبرى تحتفظ بالفيروس ربما لاستخدامه كسلاح بيولوجي. 

 

وكذلك يؤكد البزري أن السلاح البيولوجي استخدم منذ القدم بطرق مختلفة، منها رمي الجثث الموبوءة إلى المنطقة التي يود الجيش الاستيلاء عليها لنشر مرض الطاعون قبل الدخول إليها.  

 

 

لمحة عن الفيروسات الأستراليّة المختفية 

في عودة إلى حادثة اختفاء عينات فيروسات من مختبر في أستراليا، أعلن وزير الصحة في ولاية كوينزلاند”، تيم نيكولز، أن الـ323 قارورة  تشمل قرابة 100 قارورة من فيروس “هندرا” وقارورتين من فيروس “هانتا”، و223 قارورة من فيروس “ليسّا”، وهي جميعها فيروسات شديدة الخطورة على البشر. وتُصنَّف جميع هذه الفيروسات على أنها خطيرة وتسببت سابقاً في أوبئة في عدة مناطق حول العالم. وحتى الآن، لا يزال مكان هذه الفيروسات مجهولاً.

 

وفي ما يلي لمحات خاطفة عن تلك الفيروسات التي قد لا تكون قد تسرّبت من المختبر الأسترالي، بل ربما قضت داخله، لكنها خطيرة تماماً.

 

* فيروس هندرا. يصيب بشكل أساسي الخيول ولكنه قادر على الانتقال إلى البشر. وكانت المرة الأولى التي يتم اكتشاف هذا الفيروس في عام 1994 بعد تفشٍ أصاب 21 حصان سباق وشخصين بمدينة بريزبنوفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية” فإن المضيفات الطبيعية لهذا الفيروس هي خفافيش الفاكهة، التي قفزت العدوى منها إلى الخيول ومن ثمّ إلى البشر.

* فيروس هانتا. إنه نوع آخر من الفيروسات الحيوانية المنشأ، يبدأ من الجرذان وينتقل عبر فضلاتها وبولها ولعابها.

ويصيب هذا الفيروس البشر مسبباً متلازمة فيروس هانتا الرئوية، التي تؤدي إلى الحمى والقشعريرة والغثيان والإسهال، بالإضافة إلى تراكم السوائل في الرئتين.

وفق “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” فإن معدل الوفيات بين الحالات التي تظهر عليها الأعراض يبلغ 38 في المئة.

* فيروس ليسا.  يسبب أحد أشكال داء الكَلَب. وقد يصيب البشر والثدييات الأخرى. لا يوجد علاج معروف له، وبمجرد ظهور أعراض الإصابة عادة ما تكون العدوى مميتة، ما يؤدّي إلى وفاة حوالى 59000 شخص حول العالم سنوياً.

وبالرغم من أن هذه الفيروسات قد تكون بنفسها خطيرة، فإن معدلات العدوى المنخفضة تعني أنها لن تكون سلاحاً بيولوجياً قابلاً للاستخدام من دون إدخال تعديل وراثي كبير على تركيبتها.

 

وفي المقابل، أعرب الخبراء عن قلقهم إزاء خطورة الوضع. ووفقاً لـ”فوكس نيوز ديحيتال” Fox News Digital، وصف سام سكاربينو، مدير قسم الذكاء الاصطناعي وعلوم الحياة في “جامعة نورث إيسترن” بالولايات المتحدة، الحادثة بأنها “ثغرة خطيرة في الأمن البيولوجي”، مضيفًا: “إن مسببات الأمراض المبلغ عن فقدانها جميعها ذات تأثيرات خطيرة وقد تشكل تهديداً للجمهور.”

وأشار سكاربينو إلى أن بعض سلالات فيروس هانتا لديها معدلات وفاة تصل إلى 15 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير من معدل وفيات فيروس كوفيد-19.

التعليقات معطلة.