هيمش فولكنر
في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، اليوم الذي أقرت فيه إسرائيل قانوناً ينص فعلياً على وقف عمليات «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعربتُ عن خشيتي بأن ذلك سوف يقوّض الاستجابة الإنسانية المنقذة للحياة في غزة، كما يقوّض تقديم خدمات ضرورية في الضفة الغربية، وقد أهابت الحكومة البريطانية بإسرائيل بألا تُطبق هذا القانون.
ونحن الآن على بُعد ثلاثة أسابيع وحسب من دخول ذلك القانون حيّز النفاذ.
حكومتنا موقفها راسخ، منذ تسلمها السلطة في السنة الماضية، في دعمها لـ«الأونروا» (وكالة الأمم المتحدة التي تُقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين). فقد كان من بين أوائل ما قمنا به في شهر يوليو (تموز) هو استئناف تمويل «الأونروا». وفي الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر تقديم مبلغ إضافي يبلغ 13 مليون جنيه إسترليني من التمويل الحكومي البريطاني لدعم خدمات «الأونروا» الحيوية التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين، وبذلك يرتفع إجمالي تمويل الوكالة في السنة المالية الحالية إلى 41 مليون جنيه إسترليني.
كما أن الحكومة البريطانية مستمرة في المطالبة بوقف إطلاق نار فوري، والإفراج عن الرهائن، وزيادة المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، لكن مع ذلك فإن الصراع في غزة ما زالت تدور رحاه. وهو أخطر الصراعات في العالم بالنسبة للعاملين بمجال الإغاثة؛ حيث تسبب في مقتل 363 حتى اليوم، من بينهم 263 من موظفي «الأونروا». ومع ذلك، تظل «الأونروا» تُمثل العمود الفقري للعمليات الإنسانية في غزة.
الوضع الإنساني في غزة ما زال بائساً، ففي الأسبوع الماضي سمعنا النبأ المروّع بشأن وفاة ثمانية أطفال رُضّع في غزة بسبب انخفاض درجة حرارة أجسامهم نتيجة برد الشتاء. كما أن مستشفى كمال عدوان، وهو المستشفى الكبير الوحيد الذي كان لا يزال يُقدم خدماته في شمال غزة، لم يعد باستطاعته الآن تقديم الخدمات. كذلك فإن الصراع تسبب في نزوح ما يربو على 90 في المائة من أهالي غزة، في حين تعرّضت البنية التحتية الحيوية للدمار، والمرافق الصحية بالكاد يُمكنها تقديم خدماتها. وأيضاً فإن خطر حدوث مجاعة في غزة يظل كبيراً. وهنا تلعب «الأونروا» دوراً حيوياً في تفادي حدوث ذلك؛ حيث توفر الغذاء وخدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية.
فقد وزعت «الأونروا» منذ اندلاع الصراع آلاف الحزم الغذائية، ووفّرت لما يفوق 1.46 مليون شخص في غزة إمدادات غذائية، مثل الحمّص والأرز والسكر. وإلى جانب توفير الغذاء، تُعدّ «الأونروا» واحدة من كبرى المنظمات التي توفر الماء وخدمات الصرف الصحي؛ حيث وفّرت الماء لأكثر من 600 ألف من النازحين. كما أن موظفي الرعاية الصحية في «الأونروا» يقدمون حالياً 15 ألف استشارة طبية يومياً.
إلا أن عمل «الأونروا» الآن بات على حافة الهاوية، فبعد مهلة مدتها ثلاثة أشهر من تطبيق القانون الذي أقره «الكنيست» الإسرائيلي، من المتوقع أن يدخل القانون حيّز النفاذ في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي. هذا القانون سوف يجعل عمليات «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية المحتلة مستحيلاً، من خلال حظره التنسيق بين السلطات الإسرائيلية و«الأونروا».
لقد قادت المملكة المتحدة منذ 28 أكتوبر المطالبات بعدم تطبيق هذا القانون. وقد ضممنا صوتنا إلى أصوات شركائنا الدوليين في الإعراب عن قلقنا العميق حيال ذلك القانون، وصدرت تصريحات عن رئيس وزرائنا، ووزير خارجيتنا بشأن دعمنا لـ«الأونروا»، كما اجتمع رئيس وزرائنا في ديسمبر (كانون الأول) مع المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني.
إن ما خلص إليه تقرير مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة، وهو مكتب مستقل، بأن بعض موظفي «الأونروا» ربما كان لهم دور في هجمات 7 أكتوبر، أمر فظيع. وقد أخذت قيادة «الأونروا» تلك المزاعم ضد موظفيها على محمل الجد في السنة الماضية، وتصرفت بحزم حيالها. وبالتالي لا يُمكن استخدام هذه المزاعم ذريعة لقطع العلاقات مع «الأونروا». وبعد المراجعة التي أجرتها كاثرين كولونا بشأن حيادية «الأونروا»، نحن ملتزمون بدعم «الأونروا» لتطبيق التوصيات في أسرع وقت ممكن، وهذا ما دعانا إلى رصد مليون جنيه إسترليني لمساعدة «الأونروا» في تطبيق إصلاحات لضمان أن تستوفي أعلى معايير الحيادية.
لكن في حال عدم السماح لـ«الأونروا» بمواصلة عملياتها، يجب على إسرائيل الخروج بحل، بالنظر إلى التزامها بموجب القانون الدولي الإنساني. وبصفتها القوة المحتلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يجب على إسرائيل وضع خطة تُحدد فيها كيفية تفادي انهيار العمليات الإنسانية في غزة أكثر مما هي منهارة حالياً، وضمان استمرار تقديم الخدمات الضرورية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
الحكومة البريطانية ضغطت، وسوف تستمر في الضغط، على إسرائيل لكي تحترم مهام «الأونروا»، خصوصاً دورها في تقديم خدمات حيوية لملايين الفلسطينيين. يجب على إسرائيل ضمان تقديم المساعدات اللازمة بالحجم المطلوب وتوزيعها في غزة، واستمرار تقديم الخدمات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ففي غياب خطة لذلك، سوف يتفاقم الوضع المروع في غزة، وانعدام الأمن في الضفة الغربية.