باختصار: كواليس وأحلام

1

 
 
زهير ماجد
 
كواليس وخلف ستائر وأحلام .. كل يشد باتجاه مصالحه .. لا أحد يعمل بالمجان، وليس من عقائد فقط تربط البشر والتحالفات.
العرب آخر من لديهم أحلام، في الوقت الذي باتوا مكشوفين فلا كواليس لهم ولا ستائر حاجبة.
تقديم العون يجب أن يكون له ما يقابله، لا ينفذ مشروع بلا مقابل، وليس من ينفذ أصلا إذا لم يحصل على مبتغاه. الحقيقة الوحيدة أن العالم بات يتفاهم مع بعضه البعض على هذه الأسس، وهي كذلك منذ أن تحول الإنسان إلى عنصر جماعي.
في الكواليس تحدث التفاهمات والتطبيقات وتدرس المصالح بعناية، ماذا نقدم وماذا يقدمون؟ ماذا ندفع وماذا نقبض؟ حسابات كثيرة ومشاريع، فيها السياسة، وفيها الاقتصاد والمال، وفيها العلاقات التجارية وغيره وغيره .. إنها البيزنس في أعلى درجاتها..
الدول تقدم خدمات لشعوبها لكنها تقبض منها أحيانا نصف ما تقدمه وأكثر. يقولون عنها ضرائب مباشرة وأخرى غير مباشرة، هي في الحقيقة ثمن التقديمات المتعددة التي تقدمها لهم.
في الكواليس تبنى المواقف وتقوم الحسابات وتبنى السياسات، كل يقرأ مصالحه والتفاصيل المتداخلة فيها. وهذا الكل قد لا يشبع أحيانا مما قدم له مقابل ما قدمه. كيف يمكن لدولة مثلا أن تشارك بجيشها في مكان آخر ويسقط لها قتلى، فماذا عليه أن تنال .. لا أحد يعرف سوى القادة، هذا السر يكمن سنين وأحيانا العمر كله. عندما وضع السوفيات صواريخهم أثناء أزمة خليج الخنازير في كوبا، لم يكن ذلك هدية للدولة الكوبية الحديثة العهد ولحمايتها فقط، بل من أجل هدف سوفياتي يقول بأن السوفيات صار لهم حدود مع أميركا، ولهذا قامت القيامة وعاش العالم ساعات من الرعب والإنذار بحرب عالمية، لكن الحل جاء على شكل تبادل مصالح، سحب الروس صواريخهم من كوبا مقابل سحب الأميركي صواريخه من تركيا.
أما اليوم، فما يجري خلف الكواليس من مصالح يكاد أن يكون أكثر من أي وقت مضى .. لكن دلالاته تظهر على شكل تحالفات وصفقات وتبادل منافع وتمرير ما مقابل تمرير بالمقابل.
مرة أخبرني أحد السياسيين العرب وقد عاصر مراحل سياسية عربية، أن تبادل مصالح رآها بأُم العين لم يكن ليصدق أنها جرت بتلك الطرق التي بعضها تحت شعارات أيديولوجية أو ارتباطات ذات شعارات أخوية.
كل ذلك يبنى أيضا على أحلام الوصول إلى أهداف .. كل يشد باتجاه حلم من المكاسب وله الحق في ذلك طبعا، هكذا هو العالم، وهذا أيضا منافع حتى الأفراد، ولهذا قال العرب إن صديقك من صدقك لا من صدّقك .. حتى أن العرب شرحوا الأمر في بيت شعري يقول “أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم” حتى الإحسان يؤدي إلى الاستعباد.
اقرأ أحيانا عن انبهار بعض الكتاب بتقديمات دولة كبيرة لدول، وتبنى عليها كل أنواع الفخار والمدح، ولو عرف هؤلاء ماذا سيقدم لهم بالمقابل، لسكتوا أو غيروا مواقفهم، لكن بكل الأسف أن العديد ممن يكونون قد كتبوا قبضوا ثمن كتاباتهم وقاموا بالتبخير لما جرى.
خير وصف لما هو الحال القائم اليوم في منطقتنا الشرق أوسطية، أن مجرياته متخمة بالمشاريع القائمة على مكاسب مشتركة بين القائمين عليها. هي أحلام في معظمها قد تصل إلى خواتيمها وقد لا تصل، لكنها دائما مفيدة للطرفين .. فأصل المشاريع بين اثنين مثل رقصة التانجو التي لا تقوم إلا على راقصين.

التعليقات معطلة.