علي حسين باكير
قام وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الامارات أنور قرقاش بكتابة ثلاث تغريدات مؤخراً عن “التنافس الجيو-استراتيجي” في المنطقة مشيراً إلى أنّ ذلك يتطلّب بشكل مُلح تعزيز -ما أسماه- المحور العربي ولاسيما قُطبيه الرياض والقاهرة.
وقد لفت قرقاش في تغريداته الى انّ هناك عدة محاور إقليمية تتقاطع في رغبتها بتوسيع نفوذها على حساب العالم العربي، وأن هناك حاجة الى رد عربي، عبر تكاتف وتعاون وتنسيق يُدرك أبعاد ما يجري، مؤكّداً أنّ النظام العربي في مأزق وأنّ الحل يكمن في التعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة، وأنّ العالم العربي لن تقوده طهران أو أنقره بل عواصمه مجتمعة.
يستطيع المتمعّن فيما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية في الامارات ان يدرك بسهولة أنّ المسؤولين في العالم العربي يعيشون في عالم افتراضي منفصل عمّا تعيشه الشعوب في عالمنا الحقيقي على أرض الواقع.
قرقاش يدعو الى استنهاض ما هو غير موجود أساساً، يدعو “النظام العربي” الى تكاتف وتضامن ورد موّحد، في وقت يعيش فيه العالم العربي ما يمكن تسميته بمرحلة الانحطاط العظيم، فهو في حكم المنهار تماماً من ناحية جمعيّة، ولذلك فان ما يسمى “النظام العربي” قد تخطى من زمن طويل مرحلة الازمة الى مرحلة القاع، وهو لم يعد موجوداً من الناحية العمليّة.
أمّا الدول العربية، فغالبيتها الساحقة تحوّلت الى دول فاشلة او مدمّرة أو محتلّة أو منهوبة أو تدار بالوكالة، والقلّة الباقية تدفع نفسها بشكل سريع للإلتحاق بهذه الثلّة بأسرع مما نتصوّر. ولذلك، فان دعوة قرقاش الى التعاون والتكاتف هي دعوة مأزوم لا تتسّق مع ما يقوم به المحور الاماراتي- السعودي لاسيما في الأشهر الثمانية الماضية من تقويض لأسس التعاون والتكاتف في المنطقة، واستبدال ذلك بالفرقة والتشظي والخصومة والعدوان.
كيف يمكن لعاقل ان يفهم الدعوة المتكررة للتكاتف والتعاون في الوقت الذي تدفع فيه سياسات المحور الاماراتي- السعودي الى انفضاض الغالبية الساحقة ممّن يناشدهم اليوم عنه. بدأ الأمر بقطر، لكنّه امتد ليشمل الاخوان المسلمين ومن ثم الإسلاميين ثم سرعان ما إتّسعت دائرة العداوة التي تنشرها السياسات الخرقات لهذا المحور لتشمل دولا ومجموعات ومسؤولين وأفرادا آخرين بدءاً بتركيا ومروراً بلبنان ومن ثم الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وأخيرا ولكن ليس آخراً السودان وتونس، فأي تكاتف يدعو إليه المسؤول الاماراتي؟
مثل هذه الحروب خاسرة قبل أن تبدأ، والتصريحات الاستهلاكيّة لا يُبنى عليها أي شيء، لكنّها من المفترض أن تدفعنا الى طرح السؤال الصحيح، لماذا تتصدى الدول غير العربية للقضايا العربية؟
الجواب بكل بساطة هو انّ الدول التي لا تمتلك إلاّ النواح والصراخ إزاء هذا الامر، هي دول غير مؤهّلة لتقود، ولا تمتلك الامكانيات اللازمة لذلك لاسيما من الناحية البشرية حيث تعتبر امكانياتها في هذا المجال محدودة جداً ويعرفها الصديق قبل العدو. عندما تأبى هذه الدول الا ان تسلخ نفسها عن عمقها التاريخي والثقافي والحضاري لتلتصق بثقافة الماكدونالد وما هي منها، فانّ النتيجة الحتميّة لمثل هذا العبث هي انها ستخسر الاولى ولن تكسب الثانية.
ومن الطبيعي في هذا السياق ان تملأ دول أخرى الفراغ الذي تتركه هذه الدول العربية، وليس للإمارات أو السعودية او مصر حينها ان تلوم الآخرين، فلا أحد يمنعهم من الإمساك بزمام الأمور وقيادة العالم العربي والتصدي للقضايا العربية الا غياب الأهلية والإرادة، وهذه حقيقة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم في العالم العربي.