غزو صامت لأدمغة البشرية بمواد كيماوية أبدية

1

الكيماويات الأبدية تغزو أدمغتنا بصمت وتستقر فيها وتؤذيها. تعرّف إلى بعض الوقائع عنها.

لطالما اشتهرت “المواد الكيماوية الأبدية” (forever chemicals) بأنها تصمد طويلاً في الماء والتراب وأيضاً الدماغ البشري. ولكن قدرتها على عبور الحاجز الذي يفصل الدماغ عن الدم، والتكدس في أنسجته العصبية، أصبحت مصدر قلق. ويرجع ذلك إلى عوامل عدة، لاسيما منها عدم وجود معرفة علمية كافية بالآليات المرتبطة بتأثير تلك الكيماويات السامة على الجهاز العصبي.

ويُطلق تعبير “الكيماويات الأبدية” على مجموعة من المواد الصناعية التي يدخل الفلور في تركيبتها القلوية، ويختصر ذلك بمصطلح “بي أف إيه أس” ( PFAS) .

وبحسب ما نشر أخيراً في موقع “سايتك دايلي” Scitechdaily، تضمّنت دراسة أميركية جديدة اكتشاف العلماء أحد عشر تركيباً جينياً تؤدي دوراً محورياً في تفاعل الدماغ مع “الكيماويات الأبدية” الشائعة الاستعمال في الحياة اليومية للبشر. وقد تبين أن هذه الجينات التي تساهم طبيعياً في الحفاظ على صحة الخلايا العصبية، تتأثّر حيتما تتعرض باستمرار لأي نوع من الكيماويات الأبدية. بغض النظر عن نوع المكونات التي جرى اختبارها فيها.

وتوصلت الدراسة إلى إمكان الاعتماد على هذه الجينات كمؤشرات لكشف مواد الـ”بي أف إيه أس” ومراقبة تأثيراتها السامة التي تتراكم مع مرور الزمن. وكذلك بيّنت الدراسة أن طريقة عمل ما لا يقل عن 400 جينة أخرى، تعاني تغيّرات تتفاوت وفق نوع الـ ( PFAS) الذي تتعرض له.

وتبيّن أيضاً عدم وجود علاقة بين مستوى تكَدُّس الكيماويات الأبدية في الخلايا العصبية، وبين مدى تأثيرها في جينات الأعصاب.
تجدر الإشارة إلى أن ( PFAS) تأتي بأشكال وأحجام متعددة، رغم تشاركها في مواصفات كيماوية معينة، ما يؤدي إلى تفاوتات في تأثيراتها البيولوجية على الدماغ.

وبالتالي، يشدد الخبراء على أهمية التدقيق في مكونات كل واحدة من مواد ( PFAS) وفي تأثيرات كل منها على حدة.
ويشير الخبراء إلى أن الكيماويات الأبدية قد لا تكون سامة بشكل مباشر، لكنها تصل إلى الناس يومياً عبر مواد عدة تشمل مياه الشرب ومواد تغليف الأطعمة والدهانات والأصبغة وغيرها. ولذا، يحرص العلماء على كشف نقاط معينة يمكن الاستناد إليها في تقييم مسار عملية التغيير في الخلايا، بدل النظر في موتها أو بقائها على قيد الحياة.

واستناداً إلى ذلك، قرر الفريق التركيز على الطرق التي تؤثر فيها الكيماويات الأبدية على تفاعل الجين مع الخلايا العصبية وكيفية تأثيرها على الدهون في الأغشية التي تغلفها. وقد تبين أن التعرّض لأنواع عدة من “بي أف إيه أس” خلال 24 ساعة يؤدي إلى تغييرات بسيطة إنما واضحة في الدهون. ويحدث ذلك التفاعل مع حوالى 700 جينة أو أكثر.

ومن بين 6 أنواع من ( PFAS) التي جرت دراستها، برز تأثير مادة يكثر استخدامها في أواني الطبخ غير القابلة للالتصاق. ورغم أنها تتسلل إلى أجسادنا بكميات بسيطة، إلا أنها ساهمت في إحداث تغيرات في ما لا يقل عن 600 جينة، فيما اقتصر تأثير بقية تلك الأنواع على حوالى 147 جينة، وقد تفاعلت إحدى عشرة منها بالطريقة نفسها مع الأنواع الستة.
وبالتالي، يصح القول بأن الكيماويات الأبدية مؤذية، إلا أنه لم يُصار إلى اكتشاف بدائل جيدة منها. قد تتوافر البدائل بسهولة بالنسبة إلى ( PFAS) المستخدمة في تغليف الأطعمة، لكن الوضع أكثر صعوبة بالنسبة الى نظيراتها المستخدمة في المواد المقاومة للحرائق.

التعليقات معطلة.