تهنئة بالعام الجديد

1

 
 
ناظم محمد العبيدي
 
من المشاهد التي تبعث على التفاؤل ونحن نوشك أن نودع عامنا هذا ونستقبل عاماً آخر رؤية الإخوة المسيحيين وهم يقيمون قداسهم وعلى وجوههم مظاهر الرجاء وشيء من الحزن يلمع في عيونهم، ولهذا الحزن ما يبرره لدى المسيحيين العراقيين الذين تعرضوا مثل غيرهم الى الكثير من الأذى والظلم بسبب الإرهاب والفوضى الأمنية التي عانى منها العراق طيلة السنوات الماضية، وهذا ما دفع بأعداد كبيرة منهم الى الهجرة طلباً للأمن والاستقرار، وفي هذا خسارة كبيرة على العراق وقلوب العراقيين جميعاً الذين يحملون لإخوانهم المسيحيين مودة عميقة لا يمكن وصفها، ربما لأن طبيعة الثقافة التي ينشأ عليها الإخوة تزرع في نفوسهم المعنى العميق للسلام ، ولا تخلو ذاكرة أي عراقي من ذكريات مشتركة تؤكد هذا المعنى وتظهر خصوصية هذا المكون الذي يرتبط بتاريخ العراق وحضارته الممتدة عبر آلاف السنين ، ولولا الأفكار المريضة التي جاء بها المتطرفون والجهلة لما اضطر العراقيون الى مغادرة بلدهم من المسيحيين وسواهم، ولكانت فرحة ميلاد السيد المسيح مناسبة نرى فيها مظاهر البهجة والابتسامات على وجوه الإخوة عوضاً عن تلك النظرات المترقبة ليوم مختلف يحمل لهم الأمل والوعد بمستقبل آمن في وطنهم الذي رفضوا مغادرته حباً به وتشبثاً بالأرض التي ينتمون اليها كسائر العراقيين ….
كان حضور وزير الداخلية لمراسيم القداس مبادرة قيمة من الحكومة تصب في مشروع المصالحة الذي لا غنى عنه بعد القضاء على عصابات داعش الإرهابية وتحرير كامل التراب العراقي، وإشارة ذات دلالة على النهج الوطني الذي ينبغي السير عليه لتحقيق دولة المواطنة، وترسيخ لمبادئ الدولة الراعية لجميع مواطنيها بكل مكوناتهم، ولعل في مقدار الخراب الذي أحدثه التطرف الديني وتلك الجرائم التي اقترفها الإرهابيون، وما قدمه العراقيون من تضحيات عظيمة ما يدفع بالسياسيين اليوم ومن بيده القرار الى مراجعة الثقافة التي ينبغي أن تعتمد في بناء الدولة وإشاعتها بين العراقيين، وتقديم البديل الذي لا يسمح للخطابات المتطرفة أن تتحكم بمستقبل العراق والعراقيين كما يريد الإرهابيون الذين تسببوا بكل هذه الكوارث حين غاب صوت الدولة، ووجدوا فرصتهم للعبث داخل العراق ومدنه.
ولا يمكن أن نتجاهل ونحن نهنئ المسيحيين العراقيين حالة اليأس التي تسببت بها الفوضى الأمنية وغياب سلطة القانون، وبالمقابل لا يمكننا أن نتجاهل أيضاً الجهد المبذول من الحكومة لتحقيق الإصلاحات ومكافحة التطرف والفساد، فضلاً عن معالجة الأوضاع الاقتصادية وتطبيع الأوضاع داخل المدن سواء المحررة من زمر الإرهاب أو تلك التي اهملت في السنوات الماضية، وهي مهمة تتطلب الكثير من الصبر والإرادة الجماهيرية، لأن مشكلة الإرهاب والأزمة الاقتصادية لا تقتصر على العراق وحده، بل أصبحت مشكلة عالمية تعاني منها الكثير من الدول ، ولتحقيق ذلك يحتاج العراقيون الى تكاتف جميع القوى ، آملين أن يحمل العام الجديد للعراقيين وللمسيحيين خاصة ما يصبون اليه من تطلعات ويزرع على وجوه الجميع ابتسامة الأمل .

التعليقات معطلة.