لبنان يستعيد هويته بعد خمسين عامًا من الضياع

8

 

في وسط أمواج التحديات الإقليمية والتحولات العالمية، يبدو أن لبنان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه، مرحلة طال انتظارها بعد عقود من الصراعات والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شوهت وجه البلاد وأثرت على هويته الوطنية .

منذ خمسين عامًا، بدأت هوية لبنان تتعرض للتشويه بفعل تدخلات إقليمية ودولية، وصراعات داخلية غذّتها الانقسامات الطائفية والسياسية. عانت البلاد من حرب أهلية مدمرة، واحتلالات متعاقبة، وهيمنة قوى خارجية جعلت من لبنان ساحة لتصفية الحسابات. ومع ذلك، ظل الشعب اللبناني يحمل في داخله روح التحدي والرغبة في استعادة لبنان الذي كان يُعرف بأنه “باريس العرب”.

بزوغ فجر جديد
بعد سنوات من الضياع، ظهرت بوادر الأمل مع حراك شعبي متزايد يدعو إلى التغيير الحقيقي. الشوارع التي لطالما كانت مسرحًا للصراعات أصبحت ساحة للوحدة الوطنية، حيث تلاشت الفروقات الطائفية لصالح مطالب مشتركة تتعلق بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

وفي خطوة مفصلية، بدأت النخب السياسية اللبنانية في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية للقبول بمشروع إصلاحي شامل. هذا المشروع، المدعوم دوليًا وإقليميًا، يهدف إلى بناء دولة مدنية عادلة، تحترم التعددية وتعيد بناء المؤسسات المنهارة .

تفكيك النفوذ الأجنبي
من أبرز معالم المرحلة الحالية هو التوجه نحو تقليص الهيمنة الخارجية على القرار اللبناني . تحركات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى جهود داخلية، بدأت في تفكيك الشبكات والاحزاب الموالية للخارج التي أضعفت سيادة لبنان لعقود . وعلى الرغم من التحديات التي تواجه هذا المسار، إلا أن هناك إصرارًا شعبيًا ودعمًا دوليًا لتحقيقه .

إعادة بناء الهوية الوطنية
لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف هويته الوطنية التي تشكلت تاريخيًا على أسس التعددية الثقافية والانفتاح على العالم. الجيل الجديد، الذي نشأ في ظل الأزمات ولكنه يتمتع برؤية متجددة، يقود حملة لإعادة بناء صورة لبنان كدولة حديثة تعتز بتاريخها وتطلعاتها المستقبلية .

التحديات المقبلة
رغم التفاؤل، فإن الطريق ليس مفروشًا بالورود. التحديات الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى حلول جذرية وسياسات شجاعة، والطبقة السياسية التقليدية لا تزال تقاوم أي تغيير يهدد امتيازاتها. لكن، مع تصاعد الوعي الشعبي وتزايد الضغط الدولي، يبدو أن لبنان قادر على التغلب على هذه العقبات .

بعد خمسين عامًا من الضياع، يبدو أن لبنان يستعيد بريقه بفضل إرادة شعبه وتصميمه على التغيير. رحلة النهوض قد تكون طويلة وشاقة، لكنها تحمل في طياتها الأمل بمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. لبنان الجديد يولد من رحم المعاناة، ليكون نموذجًا للدول التي تسعى إلى استعادة هويتها وتحقيق تطلعات شعوبها.

التعليقات معطلة.