دائما كان العراق محورًا رئيسيًا في معادلات الشرق الأوسط، فهو ليس مجرد بلد يمتلك موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا وثروات طبيعية هائلة، بل يحمل أيضًا إرثًا تاريخيًا وثقافيًا جعل منه نقطة ارتكاز في السياسات الإقليمية والدولية. اليوم، وفي خضم الصراعات والتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبدو أن كل ما يحدث يدور بطريقة أو بأخرى حول العراق، لكن السيناريو الخاص به يظل مختلفًا ومعقدًا .
العراق في قلب الأحداث
منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، والعراق يعيش في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني. ورغم كل الأزمات التي مرت به، بقي العراق محور اهتمام القوى الإقليمية والدولية. فما يجري في سوريا ولبنان، وما يدور في اليمن والخليج، وحتى النزاعات الإسرائيلية-الفلسطينية، جميعها تصب في إطار أوسع يتعلق بإعادة رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط، حيث يشكل العراق إحدى أبرز النقاط والمسارات التي ستحدد شكل المنطقة وتحولاتها السياسية وصراع النفوذ .
تحولات إقليمية وأهداف متداخلة
التقارب الخليجي مع إيران، والتطبيع مع إسرائيل، والتحركات العسكرية في سوريا ولبنان، كل هذه الأحداث ليست بمعزل عن العراق. القوى الدولية تدرك أن استقرار العراق أو استمرار الفوضى فيه يشكل مفتاحًا لحل أزمات المنطقة أو تعقيدها.
إيران: ترى في العراق امتدادًا لنفوذها الاستراتيجي، لذا تسعى للحفاظ على وجودها القوي فيه.
الولايات المتحدة: رغم تراجعها الظاهري في المنطقة، إلا أن العراق يظل بالنسبة لها نقطة توازن للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط.
الدول العربية: تعتبر استعادة العراق لدوره كدولة مركزية مستقلة عاملًا رئيسيًا لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي بعد ان عجزت جميعها عن مواجهة هذا النفوذ .
سيناريو مختلف للعراق
رغم أن الأحداث في المنطقة تبدو مترابطة، إلا أن العراق يواجه سيناريو مختلفًا لعدة أسباب:
1. التنوع الاجتماعي والديني: العراق ليس كغيره من الدول، فهو يضم نسيجًا معقدًا من الطوائف والقوميات، مما يجعل أي تغيير داخلي أو خارجي يتطلب توافقًا داخليًا وإقليميًا.
2. وعي الشعب: الشعب العراقي بات يدرك أن الحلول المفروضة من الخارج لا تخدم مصالحه الوطنية، وهو ما يعزز احتمالية بروز حركة شعبية تعيد رسم المشهد السياسي.
3. الطموحات الإقليمية: القوى الإقليمية تدرك أن عراقًا مستقرًا يعني تقليص نفوذها في المنطقة، ما يدفعها للبحث عن سيناريوهات مختلفة للحفاظ على مصالحها هناك.
العراق بين الماضي والمستقبل
العراق اليوم في مرحلة مفصلية، فهو إما أن يتحول إلى نموذج للدولة المدنية المستقلة التي تستعيد دورها التاريخي، أو يستمر كأداة تستخدمها القوى الخارجية لتحقيق مصالحها. لكن ما يميز العراق هو أنه مهما بلغت التحديات، فإن جذور الحضارة الراسخة فيه تعطي الأمل في مستقبل أفضل .
يبقى العراق المحور الذي تدور حوله أحداث المنطقة، سواء ظهرت بشكل مباشر أو اتخذت طابعًا خفيًا. فهو مركز صراع تاريخي تعاقبت عليه القوى الدولية والإقليمية لتحديد مساره. النفوذ الإيراني الذي ترسخ بفعل معادلات دولية لم يعد اليوم مقبولًا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تجري على الساحة الاقليمية الان، العراق، بثقله الحضاري وموقعه الاستراتيجي، يقف على أعتاب مرحلة جديدة، حيث تتراجع الهيمنة وتُعيد إرادة شعبه صياغة معادلة مختلفة. السيناريو القادم للعراق لن يكون مجرد امتداد لما سبق، بل تحولًا جذريًا يعيد له مكانته الطبيعية كلاعب أساسي في المنطقة، وليس مجرد ساحة لصراعات الآخرين .