حماية الدولة المدنية من سطوة الأحزاب الدينية في العراق: مهمة وطنية ودولية

7

 

 

 

مع تعقيد المشهد السياسي العراقي وتزايد نفوذ الأحزاب الدينية في مفاصل الدولة، أصبح الحفاظ على الدولة المدنية ليس مجرد تحدٍ محلي، بل مهمة ذات أبعاد وطنية ودولية. إن الأحزاب الدينية التي تتخذ من الدين واجهة سياسية، باتت تُهدد أساسات الدولة المدنية وتُقوض مبدأ المساواة والعدالة الذي يُفترض أن تُبنى عليهما الحكومات الحديثة.

 

الواقع الراهن

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، تحولت السلطة في العراق إلى مزيج من التحاصص الطائفي والسياسي، ما أفسح المجال لهيمنة الأحزاب الدينية على مؤسسات الدولة. هذه الهيمنة تسببت في تشويه الهوية الوطنية العراقية، حيث طغت الولاءات الحزبية والطائفية على حساب الولاء للوطن. وقد استغلت هذه الأحزاب الدين كأداة لتحقيق مصالحها السياسية، مما أضعف الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.

 

الأثر الوطني

هيمنة الأحزاب الدينية تؤدي إلى تآكل مفهوم الدولة المدنية القائمة على مبدأ سيادة القانون، حيث يتم تفضيل القرارات الطائفية أو الحزبية على حساب المصلحة الوطنية. هذا الوضع ينعكس في تفاقم الفساد الإداري والمالي، وتدهور الخدمات، وفشل الحكومة في تحقيق الأمن والاستقرار. كما أن الشباب العراقي، الذي يمثل غالبية السكان، يعاني من انسداد الآفاق بسبب سياسات الأحزاب التي لا تمثل تطلعاته ولا تُلبي طموحاته.

 

المسؤولية الدولية

لا يمكن فصل الوضع في العراق عن السياق الدولي. إن القوى الدولية التي ساهمت في إسقاط النظام السابق تتحمل مسؤولية أخلاقية في دعم الدولة المدنية، من خلال الضغط على القوى المحلية لإجراء إصلاحات جذرية، ودعم المجتمع المدني العراقي، وتشجيع الحوار بين مختلف مكونات الشعب.

 

بلا شك، الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه الوضع في العراق، خاصة وأنها كانت الفاعل الرئيسي في إسقاط النظام الدكتاتوري عام 2003 وتأسيس نظام ديمقراطي في البلاد. عندما أشرفت الولايات المتحدة على كتابة الدستور العراقي، كانت تنص فيه صراحة على أن العراق دولة مدنية، إلا أن التطبيق العملي لهذا الدستور تعرض للتشويه بفعل هيمنة أحزاب الإسلام السياسي التي استخدمت الدين كغطاء لتأمين مصالحها وتحقيق أجندات إقليمية.

المسؤولية الأميركية

الولايات المتحدة، بحكم دورها التاريخي، ليست مجرد مراقب في المشهد العراقي. فهي من وضع الأساس السياسي والدستوري للنظام الجديد، ومنحت الأحزاب السياسية مساحة واسعة للتنافس. لكن ترك الساحة دون رقابة فعالة، وخاصة بعد انسحابها العسكري عام 2011، فتح الباب أمام هيمنة أحزاب الإسلام السياسي المرتبطة بأجندات إقليمية، مثل إيران، التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي لتعزيز نفوذها في العراق.

إضافة إلى ذلك، فإن السياسات الأميركية التي ركزت على التوازنات الطائفية والعرقية بدلاً من دعم مؤسسات الدولة المدنية، ساهمت في تعميق الانقسامات الداخلية، وبروز الاحزاب الطائفية السياسية مما جعل العراق بيئة خصبة لنفوذ القوى الإقليمية.

 

هل تستطيع الولايات المتحدة إصلاح الوضع؟

بالتأكيد، الولايات المتحدة لديها الأدوات والإمكانات لتصحيح المسار إذا ما توفرت الإرادة السياسية. يمكنها أن تعمل على

ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على القوى السياسية العراقية لضمان احترام مبادئ الدولة المدنية المنصوص عليها في الدستور.

 

دعم الحركات المدنية والمجتمع المدني العراقي الذي يسعى إلى بناء نظام حكم يضمن حقوق المواطنين بعيدًا عن التحزب الطائفي.

 

الحد من النفوذ الإقليمي، خصوصًا الإيراني، الذي يلعب دورًا مدمرًا في تعطيل مسار بناء الدولة المدنية في العراق.

 

إعادة تفعيل الدعم الأممي لضمان تطبيق الدستور بطريقة تتماشى مع مبدأ الدولة المدنية بعيدًا عن المحاصصة الطائفية.

 

لماذا لم تتحرك الولايات المتحدة بفعالية؟

هناك عدة عوامل قد تكون وراء تردد الولايات المتحدة في تحمل مسؤوليتها الكاملة تجاه العراق .

 

الأولويات الدولية:

ربما ترى الإدارة الأميركية أن لديها قضايا دولية أكثر إلحاحًا، مثل التنافس مع الصين والحرب في أوكرانيا.

 

السياسات الداخلية: الخلافات بين الإدارات الأميركية حول الاستراتيجيات في العراق أدت إلى تقلبات في مستوى الاهتمام والتدخل .

نعم، من واجب الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية الدولة المدنية في العراق، لا لأنها تدخلت عسكريًا فقط، بل لأنها وضعت الأسس التي بُني عليها النظام الجديد. تحرير العراق من قبضة أحزاب الإسلام السياسي المرتبطة بأجندات إقليمية مشبوهة هو خطوة أساسية لإعادة الاستقرار وبناء نظام مدني يحقق تطلعات العراقيين. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الهدف يتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا، والأهم من ذلك دعمًا شعبيًا عراقيًا يقود التغيير من الداخل.

التعليقات معطلة.