د. عبد الله فيصل آل ربح
الاثنين 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعود للبيت الأبيض بعد نصر ساحق له ولحزبه الجمهوري على الحزب الديمقراطي، بتحقيقهما انتصاراً ثلاثياً يخوّلهما السيطرة على الرئاسة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب. قوّة تشكّل فرصة لترمب وفريقه لأن ينفّذا ما وعدا به من دون مضايقة من منافسيهما؛ لكنها أيضاً تحدٍ للفيل الأحمر (شعار الحزب) لبناء عهد قوي يعيد للعم سام هيبته التي فقد جزءاً منها مع الإدارة الضعيفة للبلاد في الفترة الماضية.
ترك ترمب الرئاسة لجو بايدن في غمرة مواجهة العالم لجائحة «كوفيد – 19»، التي كانت النقطة التي ركّز عليها الديمقراطيون لاتهام الإدارة الجمهورية بالتقصير. وعلى الرغم من كون عواقب مفاجأة الجائحة أكبر من قدرات أي إدارة، فقد نجحت الدعاية الديمقراطية في زعزعة ثقة كثير من الجماهير في ترمب وإدارته. واليوم يعود ترمب وقد نجح وفريقه في تسجيل أكثر من نقطة على خصومهما.
يفارق بايدن البيت الأبيض وعهده موصوم بوصمات عدة لن ينساها له التاريخان الأميركي والعالمي. داخلياً: التضخم، وإهدار الموارد في نشر أجندة اليسار الليبرالي المتطرف، وأخيراً وليس آخراً حرائق كاليفورنيا. أما على الصعيد الخارجي، فحرب روسيا على أوكرانيا منذ 2022، وحرب إسرائيل على الفلسطينيين التي استمرت منذ 2023، من دون قدرة واشنطن على تحقيق نصرٍ ساحق لحلفائها، ولا إيقاف الحروب التي خلّفت عشرات آلاف الضحايا والجرحى، إضافة للمبالغ الفلكية من الخسائر الاقتصادية.
لا شكّ في أن ترمب الرئيس الـ47 يواجه تحدياتٍ أكثر وأكبر بكثير منه عندما كان ترمب الرئيس الـ45، مما يتطلب منه عقلانية أكبر وهو يتعاطى مع عالم محتقن يعاني من خسائر مادية ومعنوية جسيمة. ولا يجب النظر إليه بكونه المخلّص، فتاريخه السابق لا يضعه ضمن الرؤساء المميزين على شاكلة لينكولن، أو روزفلت، أو كيندي، أو حتى ريغان.
على مستوى منطقة الشرق الأوسط، تم إيقاف النار وبدأ تبادل الأسرى، تماماً كما وعد ترمب بأن يحدث قبل تنصيبه. يُضاف لذلك سقوط نظام البعث في سوريا وقدوم حكومة تمد يدها لواشنطن، وحتى تل أبيب، معلنة عن هوية سياسية تختلف تماماً عمّا كان عليه الأسدان الأب والابن. سقوط بشار في الفترة بين انتخاب ترمب وتنصيبه يعني إعادة تقييم للسياسة الأميركية تجاه دمشق، التي لن تتجلى ملامحها قبل الصيف المقبل، وقتها تكون إدارة أحمد الشرع قد أمضت نصف عام في إدارة سوريا، وبينت نواياها الحقيقية في التعاطي مع إدارة ترمب في الملفات المشتركة.
مع سقوط الأسد، وتقويض قوة «حزب الله»، تكون أظافير إيران قد قُلّمت بشكل كبير. وعليه، فإن إدارة ترمب في موقع أكثر قوة منها عندما واجهت إيران فيما يختص بالملف النووي. إيران 2025 ليست إيران 2017، بينما ترمب اليوم أكثر نفوذاً وشعبية في بلاده مقارنة بالفترة الأولى. هنا يأتي السؤال: ماذا تنوي إدارة ترمب فعله حيال إيران؟
سؤال محوري، كون موقع كل من إيران وإسرائيل في سياسة واشنطن يمثّل المتغير الأهم في سياستها بالشرق الأوسط. فموقعهما لا يتسم بالاستقرار الذي تنعم به السعودية، أو مصر، أو حتى تركيا. فإيران الثورة لديها كثير من الملفات الساخنة مع جيرانها، أما إسرائيل فلم تبرح مكانها كياناً غريباً عن النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة يرفض التعاطي مع العرب من مطلق الاحترام؛ وما زالت تتوسع جغرافياً متى سنحت لها الفرصة، وما أنشطتها الأخيرة في سوريا ببدع من القول.
الملف النووي، والمنظومة الصاروخية، والنفوذ في العراق، أبرز النقاط في أجندة ترمب فيما يخص إيران. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن ترمب يطمح في أن يكون صانع الاتفاق بينها وبين السعودية التي لم تغيّر موقفها الذي أعلنته منذ مبادرة الأمير فهد 1981 والذي يتلخّص في حل الدولتين.
نحن اليوم في الأسبوع الأول من عودة ترمب، وننتظر القرارات التنفيذية التي سيوقّعها خلال الأيام القليلة المقبلة، لنرى ماذا تخبئه واشنطن لمواطنيها والعالم. أما في منطقتنا، فنأمل في أن يكون المقبل أجمل، أو أقل سوءاً مما مضى.