ترمب و«مصير أميركا الواضح»

2

مستشارة في الشؤون الدولية – واشنطن

في خطاب تنصيبه الرئيس الـ47 لأميركا، أعلن الرئيس دونالد ترمب أمرين يختصران ما يمكن تسميته «مبدأ ترمب» في السياسة الخارجية، وهما يتعلقان بإعادة تسمية جبل دينالي في ألاسكا باسم الرئيس الأميركي السابق وليام ماكينلي، والتهديد باستعادة قناة بنما للملكية الأميركية.

هاتان المسألتان تختصران التوجهَ السياسيَّ الذي مثله الرئيس ماكينلي والذي يحذو الرئيس ترمب حذوه، والذي كان يدعو إلى شق قناة بنما «التي ستوحّد المحيطين وتوفر خطاً مستقيماً من الوصل المائي بين الشطوط الغربية لوسط وجنوب أميركا والمكسيك»، كما قال في آخر خطاب قبل اغتياله في 1901.

وماكينلي لم يكن يعدّ من الرؤساء الأميركيين المهمّين، لكن أعيد اعتباره مؤخراً من قِبل المؤرخين؛ إذ تعدّه الآن شريحة كبيرة، خصوصاً من اليمين الأميركي التي تؤمن بالدور التاريخي لأميركا و«مصيرها الواضح» المحتدى في بناء قوة عظمى وبالتوسع.

وهو يعدّ أول رئيس وضع أميركا على الطريق لأن تصبح قوة عالمية وتبوأت مركز القيادة العالمي. وهو الرئيس الذي حارب إسبانيا في 1898، وهزمها وأخرجها من المنطقة وأمّن موقع أميركا قوةً في المحيط الهادئ. وحصلت أميركا باتفاقية السلام التي توجت هزيمة إسبانيا، على كوبا وبورتوريكو والفلبين وجزيرة غوام. وقامت أميركا بعدها بضم جزيرة هاواى.

وماكينلي أيضاً معروف بسياسة الباب المفتوح تجاه الصين، التي سعت إلى حماية الحقوق التجارية الأميركية في الصين، وفرضت المصالح الأميركية في آسيا. ووقَّع قانون دينغلي وقانون التعرفة الجمركية لعام 1890 اللذين سعياً لحماية الإنتاج المحلي عبر فرض 50 في المائة تعرفة جمركية على الاستيراد؛ للحصول على موارد للدولة، من هنا تأتي ربما فكرة فرض التعرفة الجمركية على دول العالم. والرئيس ماكينلي أرسل قوات أميركية إلى الصين عند العصيان المعروف باسم «البوكسر» عندما قتل الوطنيون الصينيون مبشرين أميركيين وحاصروا بعثات دبلوماسية أوروبية، ونجح في إخماد العصيان.

خطاب تنصيب الرئيس ترمب كأنه صفحة من خطابات الرئيس ماكينلي، وخصوصاً حديثه عن مستقبل أميركا كما يراه:

«العصر الذهبي لأميركا يبدأ الآن»، قال ترمب. «ومن اليوم وصاعداً ستزدهر بلادنا وسيجري احترامها من جديد حول العالم. سيحسدنا العالم على ذلك». وأعلن أنه في كل يوم من إدارته سيضع أميركا أولاً، وأن أميركا «ستكون قريباً أعظم، وأقوى وأكثر استثنائية من أي وقت مضى».

وعن فرض التعرفة الجمركية قال: «عوضاً عن أن نفرض الضرائب على شعبنا لإغناء الدول الأجنبية، سوف نفرض التعرفة الجمركية والضريبة على الدول الأجنبية لإغناء مواطنينا».

وأعلن إنشاء هيئة جمع الضرائب الخارجية قائلاً إنها «ستجمع أموالاً طائلة لماليتنا من مصادر أجنبية». وأضاف: «وكما فعلنا في 2017 سوف نبني من جديد أقوى قوات عسكرية رآها العالم». وفي وضع الخطوط العريضة لمبدأ ترمب في السياسة الخارجية قال: «سوف نقيس نجاحنا ليس فقط بالمعارك التي سوف نربحها، وإنما بالحروب التي لن نخوضها. إن إرثي الأكثر فخراً لي هو كصانع سلام وكمّوحد. إن هذا ما أريد أن أكون وأصبو إليه. صانع سلام وموحد»، فالرئيس ترمب – حسب التقارير – يطمح لجائزة نوبل للسلام. لكنه سلام القوة، حيث قال: «إن أميركا سوف تستعيد مكانها الحقيقي كأعظم دولة والأكثر قوة واحتراماً وإعجاباً في العالم». وهنا أعلن تسمية خليج المكسيك بخليج أميركا وإعادة اسم الرئيس وليام ماكينلي ليصبح جبل ماكينلي، بدلاً من جبل ديلاني الاسم الأصلي الذي أطلقه عليه أهل البلاد الأصليون في ولاية ألاسكا، وكان الرئيس باراك أوباما قد أعاد للجبل هذا الاسم، وألغى اسم ماكينلي عندما كان رئيساً.

وقال الرئيس ترمب إن اسم ماكينلي هو الاسم الأنسب، ومدح الرئيس ماكينلي قائلاً إنه «جعل بلادنا غنية جداً من خلال التعرفة الجمركية والمواهب»، مضيفاً أن ماكينلي كان رجل أعمال بالفطرة، وأعطى الرئيس تيدي روزفلت المال لكي يقوم بالأشياء العظيمة التي قام بها بما فيها بناء قناة بنما، التي أعطتها أميركا بقرار غبي لبنما بعدما صرفنا أموالاً طائلة على المشروع من قبل، وخسرنا 38 ألف حياة في بناء قناة بنما». واتهم بنما بالإخلال بوعودها لأميركا كما أخلت بهدف وروحية الاتفاق. وانتقد بنما «لعدم معاملة أميركا بالعدل وفرض تعرفة مرور عالية جداً بما فيها على البحرية الأميركية».

والأهم، وهنا بيت القصيد، قال إن الصين تقوم بإدارة القناة «ونحن لم نعطها للصين، أعطيناها لبنما وسوف نستعيدها».

وأهم ما جاء في الخطاب ويشير إلى أي أميركا سيرى العالم في السنوات الأربع المقبلة إن لم يكن أكثر هو قوله: «من جديد سوف تعدّ أميركا نفسها أمة تنمو، أمة تزيد من ثروتها، توسع أراضيها، تبني مدنها، تزيد من توقعاتنا وتحمل علمنا إلى أفق جديدة وجميلة»، وأضاف مستخدماً عبارة «مصير أميركا الواضح» manifest destine، وهي العبارة التي استخدمها المستوطنون الأوائل بأن مصيرهم هو التوسع في أميركا من شمالها إلى غربها، الذي يطلق عليه البعض اسم «أول تعبير عن الإمبريالية الأميركية»، وقال: «سوف نسعى إلى مصيرنا الواضح بين النجوم، ونطلق رجال فضاء أميركيين لزرع علم أميركي على سطح المريخ».

واستعاد الرئيس الروحية التي بنت أميركا، قال: «إن أسلافنا حوَّلوا مجموعة صغيرة من المستعمرات جمهوريةً قوية، فيها أكثر مواطنين خارقين على وجه الأرض». وحكى كيف «تمكن الأميركيون الأوائل من ترويض أرض برية وعرة، وعبروا صحارى وتسلقوا جبالاً وواجهوا مخاطر وربحوا الغرب المتوحش، وأنهوا العبودية، وأنقذوا الملايين من الطغيان ورفعوا الملايين من الفقر، وسخّروا الكهرباء وقسموا الذّرة، وأطلقوا البشرية إلى الفضاء، ووضعوا مكّون المعرفة الإنساني في كفّ اليد».

ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في البيت الأبيض، عدَّ على منصة «إكس»، أن خطاب الرئيس ترمب كان «مزيجاً من سياسة العزلة، ومراكز النفوذ، والإمبريالية».

هناك تيار داخل حركة بين مؤيدي الرئيس يسمى «اليمين الجديد» الذي يؤمن بأن دور أميركا هو في فتوحات وحدود جديدة، وأن هؤلاء مثلاً كما ذكر مقال في مجلة «بوليتيكو» يرون ذلك استعادةً وإحياءً لروحية أميركا عندما نشأت. إذا استمع الرئيس ترمب لهؤلاء، وأصبح التوسع عقيدة من جديد فعلى جيران أميركا والعالم السلام.

التعليقات معطلة.