جلال شيخ علي
التعريب كمصطلح سياسي يقصد به التأثير الثقافي واللغوي على غير العرب…
بدء تأثير التعريب منذ الفتوحات الإسلامية عندما انصهر العديد من سكان بلاد فارس وكوردستان والعراق والشام ومصر وشمال أفريقيا في الثقافة العربية الاسلامية ولكن دون ان ينتبه احد الى مخاطره…
مصطلح التعريب بدأ يستعمل في العصور الحديثة لوصف تأثير الثقافة واللغة العربية على الناطقين بالعربية إلى جانب لغتهم الأم في الوطن العربي كالكورد والآشوريين والأمازيغ وغيرهم
أكثر الشعوب تضررا من سياسة التعريب هم الأمازيغ والكورد
وربما كان الكورد اقل تضررا من الأمازيغ الذين فقدوا هويتهم القومية بعد ان فقدوا لغتهم وثقافتهم بشكل اكبر من الكورد .
التعريب بكل مساوئه المقيتة كان ينتهجها الحكومات العراقية السابقة بأنتظام وفق مخطط مرسوم مسبقا ومدروس على اكمل وجه لأحتلال اكبر مساحة ممكنة من الأراضي وتغير الثقافة الكوردية وصهرها ضمن الثقافة والايدلوجية العربية…
بعد عام 2003 ومع تغيير نظام الحكم تفاءلنا خيرا بأن عهد التعريب والتنكيل بالكورد قد مضى في العراق الى غير رجعة ولكن بمرور الوقت ومع تثبيت السلطات الجديدة لأنيابها في كافة مفاصل الدولة ومع سيطرتها على خيرات البلاد وجدناها تنتهج ما كانت تنتهجه سابقتها من سياسة التنكيل ومحاربة الكورد وبذلك اثبت حكام بغداد الجدد انه لافرق بين من يتولى السلطة اليوم ومن كان يتولاها بالأمس القريب والبعيد .
اثبت التاريخ بأن الحكام ماقبل عام 2003 الذين حلّوا محل سابقيهم ، هم الفئة الأشدّ تعسفاً وتمسكاً بالأراضي التي استولوا عليها عنوة فكانت السياسة الثابتة لها هي تغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة ، بانتهاج سياسة التطهير العرقي من تهجير وترحيل قسري للكورد وإحلال آخرين من العراقيين العرب من وسط وجنوب العراق محلهم بدءاً بالمناطق المحاذية أو المشتركة بين القوميات التي تقطن أقصى جنوب إقليم كوردستان ومن ثم الزحف رويداً رويداً إلى القصبات والمدن الكبرى ككركوك وخانقين وتشكيل حزام أمني من العشائر العربية الموالية له على أطراف مدن كركوك وخانقين وديبكه ومخمور ومندلي وسنجار وغيرها…
بعد سقوط نظام البعث ومع تغير الوضع السياسي تركت العوائل العربية كافة المدن والقرى الكوردية التي كانوا يحتلونها بموافقة حكومة البعث وعادوا ادراجهم الى مناطقهم الاصلية…
ولكن مع احداث ليلة السادس عشر من اكتوبر واستقواء عرب العراق بأيران وتركيا بمباركة امريكية…
تغيرت الحالة هذه وعادت سياسة التعريب الى الواجهة ثانية ولكن بطريقة اكثر مكرا وخباثةَ بفضل العبادي راعي سياسة التعريب الجديد…
الأمر الذي يدفعنا حقاً للتساؤل آلاف المرات عن موقعنا ومصيرنا ووجودنا ووجود أبنائنا وأحفادنا في العراق ومستقبل المنطقة وسط هذا الخبث ومع انبعاث التعريب مرة اخرى .
بالعودة الى تخاذل المجتمع الدولي تجاه حقوقنا المشروعة خاصة الوقفة المخزية للأمم المتحدة تجاه شعب مارس حقا دستوريا واتبع وسيلة ديمقراطية لأختيار مستقبله بات على عاتق المثقف والسياسي الكوردي وجوب الرجوع إلى التاريخ والخرائط المعتمدة والاتفاقيات والمواثيق الدولية ودراستها وغربلتها وإن أمكن إحيائها لتثبيت حقوق شعبه في هذا الجزء من وطنه وللحفاظ على الأقل على وجوده وعلى وجود الأجيال اللاحقة دون أن يتعرضوا إلى ما تعرض له آباؤهم وأجداهم من ظلم ومسخ لشخصيته وهويته القومية ونكران لحقوقه التاريخية على أرض سكنوها منذ آلاف السنين، التي تعرف اليوم ” بكوردستان العراق”
فلهذا يجب علينا أن نحدد أولاً شكل ومضمون وجغرافية كوردستان العراق وتمييزها عن العراق العربي حسب المصادر التاريخية ، ليس من أجل الانفصال وتأسيس الدولة الكوردية بل من أجل ضمان حقوق الكورد وحتى الآخرين الذين يعيشون معنا على هذه البقعة وضمان عدم تكرار ما جرى من قتل وتذبيح وتجاوزات التي تعتبر بحق من أخطر الجرائم المنظمة التي ارتكبت بحق البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا
أن سياسة التعريب التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة الى يومنا هذا جاءت من منطلق مفهوم العروبة الذي أستخدم في غير محله مما جعل عروبة بعض الحكام الذين مروا بتاريخ العراق لا سيما نظام صدام وخلفه الجديد أشبه ما يكون بالنازية والصهيونية فهي تتبع ذات النهج من حيث الاستيلاء على ارض الآخرين والاتيان بمستوطنين عرب الى ارض لاتعود ملكيتها لهم دون الاكتراث لتعاليم الدين او لقوانين البشرية .