لطفي فؤاد نعمان
مثلما كان متوقعاً، أطلَّ سيد البيت الأبيض دونالد ترمب يصعق العالم ويشغله بالمتوقع وغير المتوقع من قرارات الصفقات والصفعات. بعد فاصل رئاسي ديمقراطي، استهل دورته الرئاسية الجديدة بما اختتم به دورته القديمة: إصدار قرار تصنيف جماعة أنصار الله – الحوثيين في اليمن «منظمة إرهابية أجنبية».
سلوك الجماعة في البر الإقليمي والجو الإسرائيلي وفي البحر الأحمر خلال النصف الأول من العقد الراهن 2019 – 2024، أوجب صدور القرار.
من أمِن العقاب طويلاً عليه ألا يأمَن انقلاب الأحوال… لا سيما أن أحوال الرئاسة الأميركية متأثرة بمزاج حاد وأجندة محددة لرجلٍ يهوى عقد الصفقات وانتهاز فرص توجيه الصفعات بغير تقلبات، عكس الرئيس السادس والأربعين جو بايدن.
بدأت إدارة الرئيس السابق بايدن بتعليق مؤقت لقرار تصنيف الجماعة أواخر يناير (كانون الثاني) 2021 قبل شطبها من القائمة أوائل فبراير (شباط) 2021، ثم أعادوا إدراجها وفق تصنيف خاص أواسط يناير 2024؛ كان السبب المعلن دواعي إنسانية تختلف عن الدواعي «الترمبية».
لكل قرارٍ وموقف، وتقلبِ مزاج، حيثيات ومنطق خاص.
وفق منطقهم الخاص وبتأثير صعقة القرار، قرر الحوثيون معاقبة ترمب أيضاً… يا للندية!.. وعلى غرار تفاعلهم مع قرارات مجلس الأمن الدولي من عقدٍ مضى، لم يأبهوا به أو حسب خطابهم المحلي: «ما نبالي بقرار الأميركي»!
غير جليٍ تماماً إذا كان «أبو بارون» يرمي بقراره إلى الضغط على تحول الجماعة من العمل المسلح إلى العمل السياسي… إن استطاعوا؛ أو أنه يرمي بكل خرائط التحول السياسي عرض الحائط… وهو باستطاعته.
في مختلف أطوارها وقدراتها، لم تستطع «الشرعيات» اليمنية تصحيح «الخطأ الحوثي في اليمن» وهو في مهده، فغدا خطراً يُضطر إلى التعايش معه مؤقتاً إلى حين زوال عهده… لكن هل في مُكنةِ قرارٍ دوليٍ جديد أن يُقصِر أجل الخطر أو يحد من تطرفه؟ لا تدري.
مع مراعاة فوارق مهمة، ستدري أن تطرف الحوثيين حالياً يشبه إلى حد ما تطرف الجنوبيين اليمنيين خلال مراحل ما بعد الاستقلال سنة 1967 والانتماء إلى المحور الشرقي ضد محورٍ غربي صنفهم إرهابيين أثناء فترة الحرب الباردة.
تهيأت الظروف «للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل» حتى أزاحت بقية القوى الوطنية الجنوبية عشية التفاوض على الاستقلال، حسب مذكرات الرئيس السابق الأستاذ محمد سالم باسندوه «البداية… نضال من أجل الاستقلال» وكتابه الآخر «قضية الجنوب اليمني المحتل أمام الأمم المتحدة»… من ثَمَّ تفردت الجبهة بالحكم، ودارت دورات عنف ووجبات تصفية داخلية بمقادير مكثفة من التطرف الآيديولوجي، فضلاً عن هياج سياسي تجاه المحيط الإقليمي غذى الجبهات المسلحة ضد الشمال اليمني وسلطنة عمان… حتى تأسس «الحزب الاشتراكي اليمني» آخر السبعينات، وبلغ نظام الجنوب اليمني نهايته بيديه أواخر الثمانينات، قبل 22 مايو (أيار) 1990.
الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد سجل في مذكراته «مذكرات وطن 2: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» أنه أثناء رئاسته للوزراء في عدن أول السبعينات استقبل القائم بالأعمال الصيني فور طلبه اللقاء بصورة عاجلة لكي يخبره بانكشاف خيوط مؤامرة خارجية تستهدف نظام جنوب اليمن، أجابه الرئيس علي ناصر: «… أؤكد لكم أن أية قوة، مهما كانت، لا تستطيع الإطاحة بالنظام»؛ لم يجانب الحقيقة قط في جوابه هذا، فقد ثبت أن كل تشكيل متطرف يتوهم المنعة والتماسك ينتهي من الداخل، وليس بقرارات من الخارج… وهكذا كان.