في إطار الجهود العلمية لفهم أصول العنب وتطوره عبر العصور، كشفت دراسة حديثة عن أدلة أحفورية جديدة تعيد تشكيل المفاهيم التقليدية حول تاريخ هذه الشجرة. فقد أظهرت الحفريات المكتشفة في أميركا، والتي يعود تاريخها إلى ما بين 20 و60 مليون سنة، أن جذور العنب تمتد إلى ما قبل انقراض الديناصورات وأنه نشأ في بيئات استوائية شهدت تغيرات بيئية وجيولوجية كبرى. يسعى هذا التقرير إلى استعراض النتائج الرئيسية لهذه الدراسة وأهميتها في فهم تاريخ العنب.
أدلة الأحافير واختلاف الأنواع
استندت الدراسة التي نُشرت في مجلة thebrighterside إلى تحليل بذور متحجّرة من تسعة أنواع مختلفة من العنب تم اكتشافها في مناطق مثل بنما وكولومبيا وبيرو. وتعود أعمار هذه البذور إلى ما بين 20 و60 مليون سنة، حيث يُعدّ أقدمها من فصيلة فيتويديا، التي تشمل الأنواع التجارية الحديثة. ويشير تشابه هذه البذور مع الأسلاف المبكرة لعنب فيتويد إلى أن جذور هذه الشجرة تمتدّ بعمق إلى الماضي، ما يُبرز أهمية هذه الاكتشافات في إعادة تقييم مسار تطور العنب.
المؤلف الرئيسي فابياني هيريرا يحمل حفرية لأقدم عنب تم العثور عليه في نصف الكرة الأرضية الغربي. (حقوق الصورة: فابياني هيريرا)
دور أميركا في نشأة العنب
تشير النتائج إلى أن سلف عنب فيتويد نشأ في أميركا قبل نحو 60 مليون سنة، حيث ازدهر في المناطق الاستوائية ومنطقة البحر الكاريبي. ويؤكّد الباحثون أن هذه البيئة المتميزة قد لعبت دوراً حيوياً في تشكيل التاريخ التطوري للعنب، ما يدلّ على أن أصوله ليست مرتبطة حصرياً بالعالم القديم كما كان يُعتقد سابقاً، بل تمتد لتشمل قارة جديدة أسهمت في تنوعه وانتشاره.
الأحداث البيئية وتأثيرها على تطور العنب
يبرز البحث أهمية الكوارث الطبيعية في تشكيل تاريخ النباتات. فقد حدث انقراض جماعي قبل نحو 66 مليون سنة في نهاية العصر الطباشيري، إثر اصطدام كويكب ضخم بالأرض، ما أثّر على الغابات الاستوائية في أميركا وأدى إلى اختفاء أجزاء كبيرة من هذه البيئات. إلا أن التجدّد الذي صاحب تلك الكارثة خلق ظروفاً ملائمة لظهور تنوّع نباتي جديد، حيث انتشرت الغابات المطيرة الجديدة ودعمت تطور أسلاف العنب وانتشاره.
في الصورة بذور ليا الأحفورية من العصر الأيوسيني المتأخر في بنما. حقبة الأيوسين هي حقبة جيولوجية انتهت قبل 33 مليون سنة. (حقوق الصورة: مونيكا كارفالهو، جامعة ميشيغان؛ فابياني هيريرا، متحف فيلد للتاريخ الطبيعي)
آليات الانتشار والتجدّد بعد الانقراض
بعد الانقراض الجماعي، ساهم تجدد الغابات في توفير بيئات خصبة لتطور أنواع جديدة من النباتات والحيوانات. وقد لعبت حيوانات مثل الطيور والثدييات دوراً مهماً في نقل بذور العنب إلى مناطق جديدة، ما ساعد في نشر هذه الشجرة وتوسيع نطاق انتشارها. وبهذا الشكل، أسهمت التغيرات البيئية والتفاعلات البيولوجية في تعزيز تنوّع العنب وانتقاله عبر القارات، ليصبح فيما بعد من الأشجار التجارية ذات الأهمية الاقتصادية الكبرى.
أهمية النتائج والأثر العلمي
أثبتت الدراسة أن تاريخ العنب معقد ومتداخل مع أحداث جيولوجية وكارثية تركت بصماتها على التنوع البيولوجي لكوكب الأرض. ومن خلال اكتشافات الحفريات التي تعود إلى عصور ما قبل انقراض الديناصورات، يتضح أن للعنب سجلاً طويلًا يمتد عبر ملايين السنين في أميركا. كما أن هذه النتائج تسهم في سد الفجوات المعرفية حول توزيع النباتات الاستوائية وأصولها، الأمر الذي يعزّز فهمنا لتاريخ تطور النباتات بشكل عام.
تلخّص هذه الدراسة الأبحاث الحديثة حول أصول العنب في أميركا، حيث تقدم دليلاً قوياً على أن العنب نشأ وتطور في بيئات استوائية قبل ظهور الأنواع التجارية الحديثة. ومن خلال تحليل الأدلة الأحفورية والأحداث البيئية الكبرى مثل انقراض الديناصورات وتجدّد الغابات المطيرة، يتضح أن العنب يمتلك تاريخاً تطورياً عميقاً ومعقداً. إن هذه النتائج لا تعيد فقط النظر في الأصول التقليدية للعنب، بل تفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية تأثر النباتات بالتغيرات البيئية والجيولوجية على مرّ العصور.