فلسطين تعود لعروبتها بعد سنوات الخطف الطائفي

9

 

 

لأكثر من سبعين عامًا، ظلت القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية، تتجاوز الحدود السياسية، وتُوَحِّد الشعوب رغم الخلافات بين الأنظمة. غير أن العقود الأخيرة شهدت انحرافًا خطيرًا عن هذا المسار، حيث جرى توظيفها في مشاريع طائفية ودينية أفقدتها بعدها القومي وحولتها إلى ورقة مساومة بيد قوى إقليمية تبحث عن نفوذها الخاص.

من القومية إلى الطائفية: رحلة الاختطاف

في العقود التي تلت نكبة 1948، كانت القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني جامعة، يقودها تيار قومي يؤمن بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من الهوية العربية. غير أن هذا التوجه بدأ في التراجع مع صعود الإسلام السياسي وتدخل قوى إقليمية كإيران، التي استخدمت القضية كغطاء لمد نفوذها الإقليمي عبر دعم فصائل مرتبطة بمشروعها الطائفي.

على الجانب الآخر، لعبت جماعات الإسلام السياسي، سواء السنية أو الشيعية، دورًا في حرف القضية عن مسارها الوطني، محولةً الصراع من كفاح تحرري ضد الاحتلال إلى صراع مذهبي يخدم أجندات ضيقة. فبات الفلسطينيون مجرد وقود في صراعات لا تمت لمصلحتهم بصلة، ووجدت الدول العربية نفسها أمام معادلة معقدة تمنعها من لعب دورها الطبيعي في دعم الفلسطينيين.

السقوط في الفخ الإيراني والتركي

إيران، التي رفعت شعارات “القدس” و”المقاومة”، استخدمت القضية الفلسطينية كأداة لاستقطاب الجماهير العربية، لكنها في الواقع وظفتها لخدمة مشروعها في توسيع النفوذ، كما رأينا في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فبدلًا من دعم الفلسطينيين في نضالهم، تم تجيير القضية لصالح الحرس الثوري وحلفائه، الذين حولوا الصراع إلى معركة بقاء لأنظمتهم وليس لفلسطين.

أما تركيا، فقد حاولت استغلال العاطفة الإسلامية تجاه فلسطين لتحقيق مكاسب سياسية، متظاهرةً بدعم القضية بينما تحافظ على علاقات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل. هذا التناقض كشف زيف الادعاءات التركية، وجعل القضية الفلسطينية مجرد ورقة بيد أنقرة تُستخدم وفق الحاجة.

عودة فلسطين إلى الحضن القومي

اليوم، ومع تغير موازين القوى الإقليمية والدولية، هناك إدراك متزايد في العالم العربي بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تظل رهينة المشاريع الطائفية والدينية. فالدول العربية، التي كانت تاريخيًا الداعم الأول للقضية، بدأت تستعيد زمام المبادرة عبر مقاربات واقعية تضع المصلحة الفلسطينية في إطارها القومي العربي بعيدًا عن الأجندات الخارجية.

التحركات الدبلوماسية الأخيرة، خاصة في إطار تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، تعكس تحولًا في التفكير العربي، حيث لم يعد مقبولًا ترك القضية الفلسطينية أسيرة لجماعات مسلحة أو دول إقليمية تستغلها لمآربها الخاصة. بل إن هناك محاولات جدية لإعادة إحياء الدور العربي الفاعل، عبر تقديم مشاريع سياسية واقتصادية تُحقق للفلسطينيين ما فشلت فيه الشعارات الفارغة.

فلسطين عربية بامتياز

القضية الفلسطينية ليست ورقة للمساومة بيد إيران أو تركيا، وليست ملفًا طائفيًا يمكن التلاعب به. هي قضية تحرر وطني لشعب عربي يستحق دولته المستقلة، ودعمها يجب أن يكون في إطار قومي يعيد إليها مكانتها الحقيقية. اليوم، هناك فرصة حقيقية لاستعادة البوصلة وتصحيح المسار، بحيث تعود فلسطين إلى عمقها العربي بعيدًا عن المشاريع التي اختطفتها وخانتها وغيّبتها .

التعليقات معطلة.